*التعليم والهوية المفقودة ? بقلم أبهاه عبد الله بودادية

ثلاثاء, 10/13/2020 - 22:46

تعتبر موريتانيا من البلدان المصنفة فى إطار الدول النامية ، الساعية إلى النمو فكرا والقابعة فى التخلف عملا وممارسة كنظيراتها من دول العالم ، فبعيد الاستعمار خيمت على الساحة الموريتانية إسودادية ظلماء لتبعث بمسقبل مبهم فى جميع المجالات ، بعد أن أنهكت الدولة الفرنسية البلاد والعباد ، واستغلت كل الخيرات النفيسة وإستعبدت الانسان وفككت المجتمع ، وقطعت الأرحام وأفقرت الناس باقتضاء الضرائب الباهظة ، وعملت على الشفط واللحس ، وتجهيل الشعب ، الذي حاول فى بادئ الأمر مقاطعة النظام الفرنسي بنوع من الممانعة عن طريق المحضرة التى كانت تعتبر المؤسسة العلمية الشنقيطية المتنقلة ؛ فعرفوا خرجي هذه المؤسسات بهذه البلدة أيام علماء أقحاح حملوا على عاتقهم العلم وتعليمه وصبروا على لأواء الجوع والفقر ، حتى أوصلوه إلى أقاصي المعمورة شرقا وغربا ، وجنوبا وشمالا ، فأصبحت بلاد شنقيط قبلة لمريدى العلم والمعرفة أيام كانت شنقيط تحوي فطاحلة كان لهم من الحظوة ماخلدوه فى الكتب من المجد المههل ذي الذكر الحسن فكان من أبرز هؤلاء العلماء لا الحصر "الطالب احمد ولد اطوير الجنة " وبن الأمين الشنقيطي ، والنابغة الغلاوي ، والشيخ سيدى المختار الكنتى ، ومحمد محمود ولد اتلاميد التركزي وكذلك محمد يحي الولاتى والشيخ بتار والشيخ محمد المامي ولد البخارى وسيدى عبدالله ولد الحاج ابراهيم العلوي ..إلخ كل هؤلاء العلماء وغيرهم كثر كانوا أعلاما لبلاد شنيقط ومفخرة لازلنا نفتخر بمنتوجاتهم العلمية الزاخرة عطاء والرصينة أدبا ، فكانت أيامهم بيضا كالشمس فى رابعة النهار ، فعرفوا بالبلاد فأحسنوا التعريف والتمثيل ، ولكن خلفهم قوم أضاعوا المجد التليد الذى تم التأسيس له زهاء قرون من البناء والتشييد ، رغم أن السياسية الاستعمارية التى ضربت المنطفة لم تكن عميقة لولاء بعض العملاء الذين جذروا تلك السياسة وعمقوها من أجل كسب ود الفرنسيين الذين كانوا ينظرون على أن "الموريتانيين يتحللون من كل قيد ديني أو شرط عقلى فى حالات ثلاث ، طمع كبير ، وشهوة غالية ، وانفعال حاد " فعملو على إذكاء ذلك التحلل من تلك القيود عن طريق التودد والتقرب من السكان المحليين مع تعمق وترسخ الآيديولوجية التى عبر عنها المستشرق "لينغو فريستون" "نحن أتينا بوصفنا أعضاء عرق سام وموظفي حكومة ترغب فى رقي أعضاء الأسرة الإنسانية الأكثر انحطاطا ، وليس باستطاعتنا ولو بجهود بصيرة أو محكمة أن نكون رواد سلام لجنس لازال مضطرابا ومسحوقا " .

فعملت المؤسسة الاستعمارية التى قدمت إستشهادات مهمة تنضاف إلى صرامة المؤسسة العلمية "المحضرة " من جهة وإلى الأبعاد الخفية ذي النوايا السيئة من جهة أخرى ، وبشهادة من "كامل دولز " وبعض المستشرقين والرحالة أنهم واجهوا فى بلاد شنقيط مؤسسة علمية أقوى من المؤسسة التعليمة فى الجزائر ووصفوها "بأكادمية حقيقة متنقلة مكانها الخيام " ، ومع ذلك وجد الفرنسيون أنفسهم أمام نظام تربوي لايتلائم مع النظام الفرنسي المستورد ذى النزعة الاستعمارية ، فبعد أن وطد دعائمه وقضى على جل الحركات المقاطعة عمد إلى تفعيل سياسته وتطبيق ايديولوجيته ففرضت الفرنسية فى النظام التربوي "الجديد المستورد " وأشدد على هذه العبارة لأن مآلات هذا النظام المستورد "الهيمنة "على الادارة والنظام فيما بعد ، فأصبحت الدولة تعانى مسألة الانفصام فلاهي تركن إلى الماضي السحيق الممثل فى الهوية الأصلية للسكان المحليين كتدريس اللغة الأمازيغية مثلا التى تعتبر المكون الأساس للهوية رغم أن غالبية السكان صنهاجيين ، أو اللغة العربية كلغة أم جامعة حاوية لتلك الإثنيات التى بدأت مؤخرا بالانتظام داخل حركات سرية تذكي العرقية المقيتة داخل هذا المجتمع المأزوم الذي يسالم نتاج طبعه الذى دأب عليه طيلة عقود ولكنه كالنار تحت الرماد أو الهشيم

فعمل المستعمر رغم ذهابه بإستخلاف نخبة كانت تراعى تلك الأبعاد التى رسمها له ضمن خطاطة بينة تقيده بالنظام الفرنسي كجهة وصية ؛ وبعد أن بدأت الأنظمة المتعاقبة فى الصحوة من غفوتها بعد صدام مرير مثلته الحركات المطالبة بالتعريب فى ظل إنفجار المسألة الهوياتية ، عمل النظام على تسويتها فى تلك الآونة بنوع من المجاملة ضمن توافقات سياسية مبتورة لترقيع تلك البؤر ولكنها سرعان ما أفل نجمها فى بداية الألفية الثانية ، لتعود اللغة الفرنسية والنظام الفرنسي إلى السطح والعمل على تهميش اللغة الرسمية التى بقيت حبيسة الكتابة والتوصيف فى الدستور على أنها اللغة الرسمية للبلاد

ومع ذلك بقي النظام التربوي المعمول به يؤثر اللغات الأجنبية على اللغة الأم ، مع أن أي دولة إذا أرادت النهوض تتخذ اللغة المحلية لغة للتدريس حتى تكون متاحة للجميع ويكون الابداع نتيجة طبيعية لتلك ، ولذلك يبقى تأزم التعليم مرهون بالتهميش الممثل بالعزوف عن اللغة الرسمية وحسم مسألة الوهية ، كما أنه مما يشوب التعليم فى هذه الآونة المناهج المتخذة فيه رتابة فى الطرح وجمودا فى المنهج .

ويبقى التعليم هو الضامن الوحيد للنجاح والتقدم ، فالتجربة السنغفورية ترجة حية فى هذا الموضوع ، وكذلك ماجرى بين بن علي الرئيس التونسي السابق والرئيس الليبي رحمه الله عندما جاء هذا الأخير لبن على فقال له لماذا تعمل على تطوير التعليم بتونس وأنت تعلم أن التعليم يؤدي إلى الوعي والوعي بدوره يفضي إلى معرفة الحقوق والحقوق تنتزع وبالتالي سيثور الشعب التونسي عليك ، فرد عليه الرئيس بن على أنه على علم بذلك وأنه سيسعى إلى تطوير التعليم وأنه يفضل أن يثور عليه شعب متعلم يعرف أن تونس فى الغد له وأن جميع المنشآت للشعب ولذلك سيصونها ويحافظ عليها ، فعمل معمر الغذافى على تجهيل الليبيين وعمل بن على على تطوير المنظومة التربوية ، فثار الشعب التونسي على بن على ولم يهدمو بيتا واحدا وهرب بن علي وثار الشعب الليبي على معمر القذاقى فهدموا ليبيا وقتلوا معمر القذافي ولازالت تأن ليبيا تحت وطأة الدمار بينما لازالت تونس شامخة تطاول تجربتها فى جميع المجالات أعنان السماء ؛ فالتعليم هو الوسيلة الوحيدة للتغيير ، ومع ذلك تبقى أفكار نعومه اتشومسكى تمخر الأنظمة كسرطان منوم للشعوب عندما طرح فكرة الإلهاء والتجهيل من أجل السيطرة على مفاصل الحكم .

الباحث : فى مجال العلوم الانسانية

أبهاه عبدالله بودادية .