قيادي معارض : اقتصاد البلاد مقبل على الانكماش

اثنين, 02/02/2015 - 16:57

قال وزر الاقتصاد والتنمية السابق  والخبير الاقتصادي الموريتاني محمد ولد العابد: إن مكامن الخلل في القطاعات الاقتصادية تتمثل أساسا في انعدام إرادة سياسية فعلية لاستغلالها بشكل عقلاني وشفاف يخدم اقتصاد البلاد ومواطنيه، وإن الأشهر الماضية شهدت استنزافا ممنهجا لخيرات البلد مما أدى إلى تدمير مقومات نموه.

واعتبر ولد العابد في مقابلة مع مركز الصحراء للدراسات؛ أن قطاع المعادن يشهد منذ قرابة سنة تراجعا نتيجة للوضعية الاقتصادية العالمية وخصوصا لانخفاض الطلب الصيني على الحديد، بينما يعاني قطاع الصيد من عدة مشاكل منها ما هو مرتبط بتقلب الأسواق الدولية وخاصة السوق اليابانية ومنها ما هو ناتج عن السياسة القطاعية الراهنة. أما قطاع الزراعة، بما فيه التنمية الحيوانية، فسيتأثر لا شك هذه السنة من تدني مستوى الأمطار.
المقابلة استعرضت مع الوزير الحالة النقدية للبلد ومشاركة مختلف القطاعات في اقتصاد البلاد
.
و جاء في نص المقابلة
::
مركز الصحراء: في الأشهر الأخيرة قامت الحكومة بزيادة معتبرة في الرواتب ألا ترون أنها خطوة مهمة ودليل على قوة الاقتصاد كيف تقيمونها؟
محمد ولد العابد: زيادة رواتب موظفي ووكلاء الدولة في حد ذاته أمر مهم؛ ويجب على الحكومة أن تقوم به كلما مكّنت الظروف المالية للدولة من ذلك، نظرا لتدني مستوى الرواتب وغلاء المعيشة ولمبادئ العدل التي تقتضي أن يستفيد من يخدم الدولة والمجتمع من تزايد الثروة الوطنية.
كان من الأولى أن تحصل هذه الزيادة قبل بداية سنة 2015 إذ السلطة الحالية تتبجح منذ خمس سنوات بإحراز نتائج اقتصادية ومالية هامة.
أما ربط الزيادة بتحسن في أداء الاقتصاد الوطني، فذلك أمر لا يمكن لأي متابع موضوعي للشأن الموريتاني أن يقول به، إذ الكل يعلم أن الزيادات الحاصلة في إيرادات الدولة خلال السنوات المنصرمة نتجت أساسا، عن زيادة سعر الحديد في السوق العالمية وعن ارتفاع ملحوظ في المحاصيل الضريبية الاستثنائية
.
مركز الصحراء: تشهد أسعار المحروقات هذه الأيام تراجعا كبيرا وحتى اللحظة لم يتم تخفيضها في موريتانيا ما هو السبب في رأيكم؟
محمد ولد العابد: فعلا، شهدت أسعار النفط تراجعا كبيرا خلال السنة الماضية إذ انخفضت من حوالي 110 دولار أمريكي للبرميل إلى أقل من 60 دولارا ويتوقع بعض الأخصائيين أن تتراجع إلى حدود الـ50 دولار.
وفي العديد من بلدان العالم، ترتب على هذا التراجع البالغ انخفاض في سعر المحروقات الذي يدفعه المستهلك؛ غير أن ذلك لما يتم في بلادنا رغم أن النظم المعتمدة لتحديد أسعار بيع المحروقات تنص على مراجعتها كلما اقتضى تطور الأسعار الدولية ذلك
.
بالنسبة لي، لا غرابة في الأمر إذ عوّدتنا السلطة الحالية على عدم الاكتراث بالقوانين والنظم المعمول بها في البلد، كما لا يخفى على أحد أن خفض أسعار المحروقات عندنا سيترتب عليه نقص في محاصيل الدولة من الإتاوات والضرائب على القطاع؛ بينما قد تشهد السنة الحالية ضيقا في الموارد العمومية نتيجة تراجع سعر الحديد وعدم تجديد اتفاق الصيد مع المجموعة الأوروبية
.
ومن جهة أخرى، ليس سراً أن السلطات العليا في البلد ليست لها مصلحة في أن لا تُخفض أسعار المحروقات
.
مركز الصحراء: أنتم في المعارضة انتقدتم سياسة النقد المتبعة في موريتانيا وقلتم إنها مرتجلة ومستنزفة للعملة الصعبة.. ما هو دليلكم على ذلك؟ وأين مكامن الخطر في هذا على الاقتصاد الوطني؟

محمد ولد العابد:  لنكن صريحين، نحن في المعارضة أبناء هذا البلد ونحب مصلحته ولا نجد في أنفسنا حرجا من الإشادة بأي إجراء اقتصادي يخدم الوطن والمواطن. لكننا لا ننخدع بالشعارات الجوفاء والادعاءات الكاذبة التي يدحضها الواقع
.
لم يعد يخفى على الموريتانيين أن ما يتشدق به النظام من إنجازات اقتصادية واجتماعية ليس إلا خدعة وأن الفساد استشرى بشكل فاحش لم يعرفه البلد من قبل. وقد بيّنا مرارا أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية مرتجلة وأن كل القطاعات الاقتصادية تدهورت؛ في حين تتزايد موارد الدولة نتيجة للاستغلال المفرط لكل المقومات التنموية للبلد ولإثقال كاهل الأجيال القادمة بالديون، دون أن يترتب على هذه الزيادة خلق فرص عمل لعشرات آلاف الشباب ولا تحسّن في الخدمات العمومية من تعليم و صحة و ماء شروب إلى غيرها
.
بخصوص السياسية النقدية للسلطة؛ أوضحنا في المعارضة؛ والوثائق موجودة ويمكن الرجوع إليها، أنها مرتجلة إذ لم تسفر عن الحيلولة دون تدهور القدرة الشرائية للمواطن ولم تمكن من توفير التمويلات للمشاريع الإنتاجية التي تخلق فرص العمل
.
ولكم فيما حدث قبل أيام قليلة في المجال النقدي خير دليل على ارتجالية السياسة المتبعة منذ ست سنوات والتي لم تحرز من نتائج ملموسة إلا أنها أغنت ثلة قليلة بين عشية وضحاها وأفقرت الشعب الموريتاني كله.
مركز الصحراء: صادق مجلس الوزراء مؤخرا على ميزانية ضخمة تربو على 500 مليار أوقية في وقت تتراجع فيه أسعار الحديد ألا ترون أن هذه الميزانية تدحض ما تقولونه أنتم المعارضون للنظام نريد توضيحا؟

محمد ولد العابد: لا أرى أن زيادة ميزانية الدولة تدحض ما نقوله في المعارضة حول سوء تدبير النظام وارتجال سياساته الاقتصادية والمالية. فمن جهة زيادة موارد الدولة من سنة إلى التي تليها أمر طبيعي في البلدان النامية ولا عبرة بها، كما لا عبرة بالمؤشرات الاقتصادية الكبرى في حد ذاتها، بل العبرة بالوضعية الحقيقية للقطاعات الاقتصادية وبطبيعة السياسات الكلية والقطاعية المتبعة
.
ومن جهة أخرى ميزانية 2015 المعتمدة تبلغ 441،1 مليار أوقية أي بزيادة بسيطة (2,9%) مقارنة بالميزانية التصحيحية لسنة 2014. ومن الملفت للنظر أن نسبة الضريبة على القيمة المضاعفة، التي يتحملها المستهلك النهائي أي المواطن البسيط، زادت بنقطتين منتقلة من 14 إلى 16 بالمائة، ومن المعلوم أن هذه الضريبة من أهم الضرائب من حيث مساهمتها. ومن جهة ثالثة، هنالك عامل المديونية الخارجية التي تشهد، في ظل السلطة الحالية، تزايدا مضطردّا يتنافى مع مبادئ حسن التدبير.
على كل حال الميزانية تقديرية وسنرى في الأيام الأخيرة من شهر دجمبر القادم، كما جرت العادة منذ 2008، الحجم النهائي لواردات الدولة برسم سنة 2015 الذي ستمدده الميزانية التصحيحية ولا يخفى أن الميزانية التصحيحية للسنة المنصرمة جاءت متراجعة عن الميزانية الأصلية، ولو كان ذلك بنسبة ضئيلة
.
مركز الصحراء: الاقتصاد الموريتاني يعتمد على المعادن والزراعة والصيد أنتم كخبير اقتصادي كيف تقيمون مردود هذه القطاعات؟ وما هي مواطن الخلل في تسييرها؟ وما هو تقييمكم لموقف موريتانيا من التعامل مع الاتحاد الأوروبي الذي تعثرت المفاوضات معه؟ وهل ذلك مؤشر ايجابي؟
محمد ولد العابد: الاقتصاد الموريتاني، كغيره من اقتصادات الدول النامية، يشهد منذ عدة سنوات تطورا يتسم أساسا بتزايد وزن قطاع الخدمات؛ وتظل قطاعات الصيد والمعادن من أهم ركائزه والمصدر الأساسي للعملة الصعبة
.
قطاع المعادن يشهد منذ قرابة سنة تراجعا نتيجة للوضعية الاقتصادية العالمية وخصوصا لانخفاض الطلب الصيني على الحديد،
بينما يعاني قطاع الصيد من عدة مشاكل منها ما هو مرتبط بتقلب الأسواق الدولية وخاصة السوق اليابانية ومنها ما هو ناتج عن السياسة القطاعية الراهنة. أما قطاع الزراعة، بما فيه التنمية الحيوانية، فسيتأثر لا شك هذه السنة من تدني مستوى الأمطار
.
مكامن الخلل في هذه القطاعات تتمثل أساسا في انعدام إرادة سياسية فعلية لاستغلالها بشكل عقلاني وشفاف يخدم اقتصاد البلاد ومواطنيه. وقد بينا، في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، قبل أشهر مدى الاستنزاف الممنهج لخيرات البلد وتدمير مقومات نموه
.
أما فيما يخص الشطر الأخير من السؤال، فلا يخفى على أحد أن الاتحاد الأوروبي من أهم شركاء بلدنا في التنمية وأن التعاون معه ومع بعض البلدان المنتمية إليه كإسبانيا وفرنسا وألمانيا يستند إلى معاهدات واتفاقيات؛ وبشأن اتفاق الصيد المتعثر، أملي أن تذلل الصعاب التي تحول دون إبرامه.