الدكتور أشريف الطاهر ولد محمد محمود يكتب /؟ عن الرئيس والمال والمآل

أحد, 06/12/2022 - 14:18

لقد من الله على الرئيس الموريتاني السابق محمد بن عبد العزيز بهبات لم تتح لعديدين ممن سبقوه لحكم البلاد. هبات لم يفطن لها حتى كبار المبشرين بعصره ربما تغليبا منهم للمحسوس والملموس على البصيرة و الإستظهار .
أولى تلك الميزات وأهمهاأن الله عصم الرجل من دماء الموريتانيين إبان حكمه و على عكس بعض من سبقوه كالرئيس المؤسس المرحوم المختار بن داداه أو الرئيسين معاوية وهيدالة. حيث حرب الصحراء المدمرة وما أعقب الإنتفاضات وافشال الانقلابات والانقلابات المضادةزمن ضحايا.
ثانيا ضغط دولي مركز على بعض دول الإقليم مما خلق فراغا أتاح لبعض دوله لأخرى لعب عديد من الأدوار على المشهد.
ثالثا مستوى عاليا من المسؤلية منع اطرافا من المعارضة من ركوب الأمواج مع حنكة لدى بعض أركان حكمه خصوصا إبان ماعرف بالربيع العربي.
رابعا موارد مالية هائلة جراء التحسن في معدل تبادل السلع الأولية على الصعيد العالمي.
كل ذاك مكن مع مستوى من الكاريزما الشخصية الملحوظة من لعب أدوار سياسية هامة كعقد القمتين العربية و الإفريقية في نواكشوط وإطلاق عديد المشاريع في مجال البنية التحتية والخدمات حتى وإن حضر في ثناياها طابع تربحي خصوصي ، و الأهم منه سعي حثيث إلى إحراز مزيد من الإستقلالية في مجال الإنفاق العام عبر تحسين مصادر الإيرادات الذاتية، بل يحسب له كذلك عمل للحد مما قد يفهم استئثارا مناطقيا بوطن ثري وفسيح وحضور ولو كمي لمنطق للتنافس بالإنجازات مع من سبقوه .
نقول ذلك عن الرجل وإن تضررنا كثيرا إبان حكمه حزبيا وحتى عائليا وذلك من منطلق (ولا يجرمنكم شنان قوم ) ونذكر به الآن وهو يواجه مصيره أمام القضاء عسى ان ينتبه فريق دفاعه إلى جوانب قد تخفف بعضا من قسوة الحكم المحتمل بحقه عوضا عما يبدو إعلانا مسبقا من هذا الفريق للهزيمة في الرد الفني على ما يتكشف من أدلة وقرائن مادية ضد الرجل، وكأن بعضا من أعضائه ارتدت عليهم لعنة الدفاع عن مسئ هنا ذات يوم . لكن مادام هذا الفريق يصر على تسييس الملف فلنسيسه قليلا ببضع ملاحظات بسيطة لكنها ذات صلة بالرؤساء الثلاثة الأطول حكما لموريتانيا المختار معاوية وعزيز
فرغم المزايا أعلاه وباستثناء جيوب تحن للماضي بفعل تداعيات حاضر معقد لم يتوطن الرئيس السابق في وجدان الموريتانيين كسابقيه.
خسر الموريتانيون الكثير في حرب الصحراء وفقدوا عديدين أنفسا قادة وساسة ابان حكم الرئيسين مع ذلك لا أحد يذكر المختار إلا بكل خير،ويتفهم كثيرون رغم الآلام والتحسر على فقد الأحبة، ملابسات قسوة معاوية عكس ما عليه الحال بالنسبة لعزيز فلماذا؟
حين خاض المختار الحرب كان ذاك تقدير موقف حاول الإقتراب من رسم خريطة ارتسمت في ذهن الرئيس عن وطن قيد الإنشاء 1957م ،أي عن حدود موريتانيا الثقافة. والهوية والجذور، لكن بعيدا عن أي مصالح ذاتية تعود على المختار أو على محيط المختار يشهد لذلك في بعده المادي تحويل الهدايا الخاصة إلى ملك عمومي إستحضارا ل (هلا قعد في بيته فينظر أيهدى إليه أم لا)،ويزكيه بالتأكيد ان مسقط رأس الرجل كان ذا حضور واشعاع مشهود قبل الرجل ولربما زاد مع الرجل لكن الرجل وقف في وجه ذلك أيما وقوف ومع الرئيس معاوية زاد كثيرا الفساد المؤسساتي والتعدي على المال العام، وتعزز الثقل المالي لمسقط رأس الرئيس الحاضر وبقوة أصلا في المشهد الإقتصادي ،لكن لا أحد وحتى يوم الناس هذا يستطيع القول هذا لمعاوية وذاك على مايبدو أمر أساسي يريده المحكومون من حكامهم.فحين يتخلى الناس عن الجاه والسلطة للقائد،فانهم ينشدون فيما ينشدون منه العدل وتحسين الأحوال وحين يتفننون في إظهار كل صنوف الولاء حد المعبر منه عن الدونية فإنما يأخذون مسافة من الحاكم حتى لا تلامس مناكبهم أقدامه عند الضرب في الارض بحثا عن المنافع خوفا من منافسة مستحيلة بفعل تباين أوزان المتنافسين ،إذ من ذا يمكنه التغلب على الدولة حين تمنع أو تعطي بقرار !
إن يد الانسان هي بالفطرة أقرب لجيبه من جيوب الاخرين وهو ما يتطلب منه الحذر غاية الحذرحين يدخل شريكا مع غيره.
مشكلة الرئيس عزيز الأساسية تكمن في أنه دخل الأسواق مناقسا للأطفال على قطع الشيكولاتة ولآبائهم على حفنات الارز وللمنمين على الأعلاف ولرجال الأعمال على ما تقوم به الدولة من مشاريع. فخسرت هذه الدولة جودة المنتج وانخفاض الكلفة لإنعدام المنافس وخسرت ذاتها بتحول أجهزتها وكفاءاتها الفنية إلى أشباه سماسرة ومحللين(بمعنى التيس المستعار) لصالح قلة محدده من المشترين ، والأسوء من كل ذلك هو تدني النظرة إلى الحاكم والنخبة وما ترتب عليه من تدمير للقيم الناظمة لإستدامة الدولة ذاتها عبر التأسيس لنوع جديد من العلاقة بين السلطة والثروة.
وبقدر الإصرار على ان ياخذ العدل مجراه وان يشمل من تذاكى ليفلت من المركب الغارق فإن مشاعر الدهشة المشوبة بالألم لابد ان تنتابك وأنت تتأمل الموضوع:
* عن نخبة إن جاز وصفها بالنخبة أصلا ، تنافق الحاكم فتؤلهه لتنسيه نفسه حتى إذا هوى انفضت من حوله،يحتقرها فتطيعه لتركبه فتغشه وبين الاثنين تضيع مصالح الناس،بل قد بضيع وطن بأكمله،نخبة كان بإمكانها نصح الرجل وتهيئته ليرتفع عاليا بنا وبنفسه ليكون اليوم رحالة علما يجوب العالم رئيسا سابقامقدما تجارب بلاده ومسهما في حل المشكلات لامتهما خلف القضبان وأي متهم إذ بقدر الإرتفاع تعظم قوة الإرتطام عند السقوط .
* عن الجمهوربة الاسلامية الموريتانية وريثة دولة المرابطين، بلد العلم والعلماء والصالحين وهي تجرجر رئيسها من كان الرقم واحد فيها أمام المحاكم في حفلة صغار جماعي لا تشرف أحدا وبتهم أي تهم!! النهب وخيانة الأمانة!! ففي النهاية كما تكونوا يولى عليكم.
* عن مشاعر مئات الألوف من الففراء وهم يرون المليارات ثم المليارات ثم المليارات توثق هنا وتستخرج من هناك لتنوم هنالك من طرف من كان رئيىسا للفقراء، مليارات هي في الأصل وبكل المقاييس حتى الأخلاقية تجعلهم أحق منه بها وأهلها لأنها إماجزء من خيرات أرضهم أو هي عوائد وريع تنسم المسؤليات في بلدهم، بالتالي كان يجب ان تعود إليهم وعليهم بما يفيد، فكيف ستكون إذن نظرتهم لرئيسهم هذا بل لأي رئيس طالما أضحت الرئاسة مغنما لا مغرما.كم تمنيت لو أعلن الرئيس مبكرا قبل وضع اليد على تلك المليارات تخليه الطوعي عنها لصالح تأمين صحي لعدد إضافي من الأسر الفقيرة،ولكم أتمنى الآن ان يبادر بطلب الصفح من هؤلاء الفقراء كل الفقراء ومن الشعب كل الشعب حتى يرمم سبيل عودته رئيسا و جنرالا سابقا لاحقا بأحياء يرزقون.
*********
مشكلة بعض الحكام أتهم لا يستوعبون الدرس إلا بعد فوات ألأوان، ولن نضرب هنا امثلة ببعض حكام القارة و لا كيف لعبت بهم دول فحولتهم إلى أباطرة نهبت بهم خيرات بلدانهم حتى إذا أتموا الدور تركتهم على قارعة الطريق يتسكعون ، حكامنا أكرم عندنا من ذاك بل نرجو ان يكونوا كذلك عند الله حين يتطهرون من الغلول ، سنعود عوضا عن ذلك إلى زمن مضى ، إلى التاريخ ففي التاريخ خبر وعبر. ،،
فحين كانت الدولة الأموية تحكم أجزاء واسعة من قارات العالم الحالية ويجبي إليها الخراج من كل مكان صعد الخليفة هشام بن عبد الملك إلى الحكم ليبقى فيه فترة طويلة ،اشتهر خلالها بتكديس الأموال مع مستوى كبير من التضيق على الإنفاق فجمع بذلك ثروات هائلة، وحين داهمته المنية في ليلة دمشقية شاتية صعب على من أشرفوا على جنازته ايجاد قمقم ( مقرج) لتسخين الماء اللازم لتغسيله!!!
دفن هشام على أي حال في النهاية لكنه في الواقع دفن معه النسخة الأموية للدولة الإسلامية، فقمقم هشام كان يخفي الكثير من معضلات تحتاج الحلول، فسنوات من استسهال الثراء والهدم والتصنيع للمشهد والتجاوز حتى على المقدس الديني والحضاري، والمؤملون و الطامحون والطامعون والمنفلتون والمضارون والمتضررون والإنتهازيون والمتربصون كانوا تركه هشام الثقيلة التي لابد لعلاجها من إصرار وتصميم لايقبل الإبتزاز أو التهاون مع أي حق عام منعا لمزيد تضعضع الدولة واستشرافا وعملا دؤوبا على توطيد أركانها وفق رؤى جديدة . مسارات ثلاثة ممكنة لبلوغ ذلك ، جذري وعنيف ، هادئ محافظ ، هجين أو بين بين لكل منها متطلباته واكراهاته ونتائجه في القضاء على تلك الظواهر الهدامة ،أما التقاضي والمساطر فشأن فيصله الوحيد و باستمرار أدلة الواقفين وقناعات الجالسين ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عنها.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

،