النص الكامل لمداخلة النائب الصوفي ولد الشيباني

خميس, 11/04/2021 - 12:32

النص الكامل لمداخلة النائب الدكتور الصوفي الشيباني الشيخ أحمد
نائب رئيس الجمعية الوطنية
في الملتقى المنظم من طرف الجمعية الشعبية الوطنية الصينية عبر تقنية الفيديو كونفيرانس
تحت عنوان:
<< لنحقق معا حلم تقليص الفقر وتعزيز الازدهار المشترك>>

04-05/11/2021

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه.
أيها المشاركون الأعزاء،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
لا يسعني في مستهل هذه المداخلة إلا أن أشكر الجمعية الشعبية الوطنية الصينية على دعوتنا للمشاركة في هذا الملتقى الهام الذي يشكل فرصة لتسليط الضوء على الآثار الناجمة عن جائحة كورونا وعلى سبل مواجهة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لها وخاصة في ما يتعلق بتصميم السياسات والبرامج الموجهة للحد من الفقر، وكذلك لتقاسم التجارب والخبرات بين برلمانيي الدول المشاركة فيها.
كما لا يسعني إلا أن أعبر عن جزيل الشكر والإمتنان لجمهورية الصين الشعبية الصديقة على الدعم والمساعدة الذين مافتئت تقدمهما لبلادنا في المجالات المختلفة، والتي من ضمنها سعيها لمشاركتنا تجربتها الرائدة في القضاء على الفقر ومواجهة التأثيرات السلبية لهذه الجائحة الكونية.
أيها المشاركون الكرام،
نظرا للخسائر الفادحة والآثار الكارثية التي خلفتها جائحة كورونا على الأصعدة المختلفة وخاصة في المجال الإقتصادي، فإن السياسات الاقتصادية والتنموية عموما يجب أن تصمم في مرحلة ما بعد الجائحة لمواجهة تداعيات الوباء وتأثيراته السلبية وخاصة على الفقراء ومحدودي الدخل الذين كانوا في طليعة المتضررين منها، حيث ساءت ظروفهم السيئة أصلا وازدادت معاناتهم في الحصول على الغذاء وغيره من متطلبا الحياة الأساسية.
ورغم أن الآثار السلبية للجائحة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي لم تسلم منها أي دولة في العالم، إلا أن تأثر الدول السائرة في طريق النمو بها وخصوصا منها تلك الأقل نموا والأكثر فقرا كان أشد وقعا وأوسع نطاقا سواء على مستوى التراجع الكبير في وتيرة الأنشطة الانتاجية والخدمية و التجارية وما نجم عنه من فقدان الكثير من فرص العمل، أو على مستوى تدهور القوة الشرائية بسبب الارتفاع الهائل للأسعار الذي أفقد أعدادا كبيرة من سكان تلك الدول القدرة على تأمين احتياجاتهم من المواد الأساسية والخدمات الضرورية لاستمرار حياتهم بشكل طبيعي. كما أن هذه الدول تظل الأقل قدرة التعافي بسرعة وعلى التغلب على الآثار السلبية التي خلفتها الجائحة في المجالات المختلفة .
ويرى العديد من المهتمين والمتخصصين في مجال التنمية أن اقتصاد ما بعد جائحة كوفيد- 19 لا يمكن أن يكون هو نفس النمط الذي كان سائدا قبلها لأن تحديات مواجهة آثار الجائحة وما شهدته أوضاع الفقراء ومحدودي الدخل من تدهور بفعل تداعياتها يجعل من الأولويات الرئيسية للدول، وخاصة تلك الأقل نموا، في هذه المرحلة تصميم السياسات التنموية والبرامج الاقتصادية بما يعزز فرص تقليص أعداد الفقراء ويساهم في خلق المزيد من مواطن الشغل وتطوير القطاعات والأنشطة الإنتاجية وبناء منظومات صحية أكثر صلابة وقدرة على الاستجابة للاحتياجات الصحية المتنامية لشعوب تلك الدول.
وفي هذا الإطار فإن دعم الأنشطة الزراعية والرعوية المحلية وتوفير مقومات تطويرها والرفع من إنتاجيتها تعتبر إجراءات ملحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي وتأمين احتياجات المواطنين من الإنتاج المحلي بأسعار في متناول عموم المواطنين الشيء الذي لا يمكن ضمانه في ظل الاستمرار في الاعتماد على استيراد تلك السلع الاساسية ، والتي شهدت أسعارها ارتفاعا غير مسبوق بفعل تعطل الكثير من النشاطات الاقتصادية وارتفاع تكاليف الشحن وتقلص عرض المنتجات بصورة عامة.
كما أن دعم برامج ومشاريع تشغيل العاطلين وتوفير التمويل لها يعتبر هو الآخر في صدارة احتياجات بلداننا لتحقيق هدف الحد من الفقر وتقليص الفجوة بين الفقراء والتحرك نحو نشاط اقتصادي أكثر انحيازا للمتضررين الأشد من الجائحة وخصوصا الشباب والفئات الأكثر هشاشة.
يضاف إلى ذلك بطبيعة الحال ضرورة التركيز على دعم بناء أنظمة حكامة رشيدة تصون إمكانيات وخيرات البلدان السائرة في طريق النمو وتعزز فرص التقدم والبناء فيها، وهي مهمة تحتاج الكثير من العزم نظرا لخطورة وتجذر ممارسات الفساد التي تقضي على كل أمل في محاصرة الفقر وتحقيق المزيد من الرفاه.
ويتوقف تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه على النجاح في تخفيف الأعباء المالية عن كاهل الدول الأقل تقدما ومدها بالمزيد من الموارد الميسرة ومختلف أشكال الدعم، وفي هذا الإطار فإن إلغاء الديون الخارجية لتلك الدول، وليس إرجاء تسديد مدفوعاتها، يعتبر ضرورة لجعلها قادرة على الإنفاق على البرامج الاجتماعية والصحية ومساعدة الفقراء وحماية منظوماتها البيئية ومواردها الطبيعية المهددة.
ولا شك أن تركيز جهود البرلمانيين من الدول الشقيقة والصديقة المشاركة في مثل هذه اللقاءات على الدعوة إلى إلغاء ديون الدول الأقل نموا سيشكل سندا قويا للدعوات التي أطلقها بعض رؤساء الدول في هذا المجال، والذين كان من أبرزهم فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني الذي طالب مبكرا بإلغاء تلك الديون و هو الإجراء الذي يمثل بحق أقصر طريق لدعم الدول الأقل نموا ومساعدتها على تجاوز آثار الجائحة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
وبطبيعة الحال فإن الآمال تظل معلقة على استجابة جمهورية الصين الشعبية، بوصفها أحد أكبر البلدان التي تمتلك فوائض مالية على الصعيد الدولي، وبوصفها أيضا أحد أكثر البلدان اهتماما بدعم ومساعدة الدول الأقل تقدما، لدعم مبادرة إلغاء ديون البلدان النامية الأكثر فقرا، ولم لا تصدر عن هذا الملتقى مبادرة برلمانية مشتركة لمحو ديون تلك الدول وتمكينها من موارد إضافية تساعدها في الإنفاق على برامج وسياسات التخفيف من الفقر.
إن تفاقم أعداد الفقراء وتزايد حدة الفقر المدقع يخلف آثارا سلبية خطيرة لا تقتصر على الدول الأكثر تضررا من الجائحة وإنما تطال الجميع ، فحينما لا يجد الناس فرص العمل والغذاء ومقومات الحياة الأساسية في بلدانهم فإنهم سيلجئون للهجرة إلى الدول الغنية التي باتت تضيق ذرعا بقدومهم نظرا لما يجلب لها من أعباء مالية واقتصادية وأمنية وسياسية.
ومن هذا المنظور فإن دعم جهود الدول النامية الرامية إلى تقليص الفقر ورفع مستوى الرفاه في مجتمعاتها يمثل مصلحة مشتركة للجميع ويساهم في تسريع وتيرة تجاوز الآثار السلبية للجائحة على المستوى الدولي.
وبالنظر إلى كل ما تقدم فإن هذا النوع من الملتقىات يمثل أملا في مساهمة أكثر فعالية للبرلمانات في دفع السياسات الاقتصادية و توجيه المساعدات التنموية نحو تحقيق انتعاش اقتصادي يعطي الأولوية لمحاربة الفقر وتعزيز فرص تجاوز الآثار