من هم هؤلاء “الجهاديون” الذين يحبطون عمليات الجيش الفرنسي في الساحل؟

جمعة, 11/20/2020 - 11:05

الجيش الفرنسي غارق في الساحل، على الرغم من تصريحات النصر التي يطلقها من حين لآخر، فلقد امتدت المعارك نحو دول أخرى في المنطقة.

ويتمثل فشل باريس في عجزها عن فهم الرهانات السياسية وما يدفع مئات الشباب إلى الانضمام إلى الحركة الجهادية.

يقوم الجيش الفرنسي بانتظام بالدعاية الإعلامية لانتصاراته“في الساحل، حيث يتدخل منذ خمس سنوات في إطار عملية برخان1.

و”الانتصارات“هذه قد تتعلق بتدمير ذخيرة أو مركبات أو معسكرات أو حتى”تحييد“جهاديين، أو على الأقل من يتم تقديمهم على أنهم كذلك.

و”التحييد" في قاموس الجيش الفرنسي ـ الذي تبناه مؤخرًا بعض حلفائه الأفارقة ـ يعني الموت.. غالباً ما تُطلق هذه العبارة عقب المواجهات المسلحة، لكنها قد تعني أيضا الإعدام، عندما يتم قصف هدف بطائرات حربية، بعد تحديد موقعه بواسطة طائرات بدون طيار، أو عن طريق عمليات التنصت.

 

“تَسْوِيةّ الأرض”

قُتل المئات من الجهاديين المشتبه بهم منذ تاريخ إرسال فرنسا قواتها إلى مالي في كانون الثاني/يناير من عام 2013.

وفي شباط /فبراير 2019، تحدثت وزيرة القوات المسلحة، فلورنس بارلي، أمام أعضاء مجلس الشيوخ، عن حصيلة 600 “إرهابي” تم “تحييدهم” منذ عام 2015 (منهم 200 في عام 2018). نجد من بين هؤلاء قادة معروفين من الجماعات الجهادية المسلحة في الساحل، كعبد الحميد أبو زيد عام 2013، وعمر ولد حماها عام 2014، ومحمد أغ المنير عام 2018، وجمال عكاشة عام 2019، وغيرهم.

 

بعيداً عن أضواء الإعلام، يعترف الضباط صراحةً بمسؤوليتهم في عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء، كما يتبناها السياسيون.

فهي تستجيب لاستراتيجية واضحة تتمثل ب“تسوية الأرض المُعْشِبَة” أي إزاحة الرؤوس القيادية بانتظام بهدف تقليل عدد الجماعات المسلحة، على أمل “ألا ينمو العشب بعدهم” “، باستعمال الاستعارة نفسها المشار إليها آنفاً .

وبغض النظر عن النقاش الدائر حول مدى شرعية هذه العمليات، أو حتى فائدتها الإستراتيجية مع بروز مستمر لقادة جدد يعوضون من قُتل، حسب العديد من المراقبين، فإن الجماعات الجهادية المسلحة ما زالت تعيث فساداً في الساحل على الرغم من عمليات الإعدام المتعاقبة هذه.

كما تُطرح التساؤلات حول هوية بعض”الجهاديين" المقتولين على يد الجيش الفرنسي.

في الواقع، لا يحمل معظم ضحايا برخان اسماً ولا عمراً في البلاغات الرسمية. لا يُعرف عنهم أي شيء سوى أنهم قُتلوا في معركة أو قصف

ـ في مكان غالبًا ما يكون مجهولا ـ ودون معرفة الحقيقة بشأن كيفية وفاتهم ولا مصير جثتهم.

من ناحية أخرى، يستحيل التثبت من جرمهم ـ وهو بالمناسبة أمر لا يثار حوله التساؤل في وسائل الإعلام التي تتبنى البلاغات الرسمية ـ ولا انتماؤهم لجماعة مسلحة توصف بانها إرهابية، اللهم سوى تواجدهم ربما في مكان مشتبه به.

يؤكد معظم المراقبين، و عسكريو دول الساحل الذين يتعاونون مع برخان، أن الجيش الفرنسي يتخذ جميع الاحتياطات قبل شن أي هجوم، على الرغم من ارتكابه بعض “التجاوزات غير المقصودة” خلال السنوات الأخيرة أسئلة كثيرة تُطرح: ماذا كانوا يفعلون في عين المكان؟ هل كانوا يقاتلون أم كانوا مارين لسبب أو لآخر؟ هل كانوا مقاتلين أم مجرد مدنيين على علاقة بالجماعة المسلحة بدرجات متفاوتة؟

قرار متهور يرميهم في ورطة

لا يدخل كل الرجال والنساء الذين يشكلون صفوف الجماعات الجهادية المسلحة في الساحل ضمن خانة المتعصبين المسعورين المستعدين للموت في تفجيرات انتحارية من أجل فرض شريعة الله على الآخرين، أي ذلك الوصف الكاريكاتوري المنتشر اعلامياً المندرج ضمن ما يسمى بال“جهاد عالمي” كما أن بعض هذه المجموعات أشبه بحركات التمرد المحلية التي تغذيها قضايا اجتماعية واقتصادية أكثر منها حروب متفرعة عن حرب دينية كونية.

أظهرت العديد من الدراسات التي أجرتها منظمات غير حكومية أو مراكز بحوث أو وكالات دولية، في السنوات الأخيرة، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD) أن معظم هؤلاء “الجهاديين” مدفوعون بقناعات أخرى، أو أنهم انساقوا لخيار متهور أو تأثير شخص رديء، أو أن البعض منهم أجبروا بالقوة على الانضمام للمتمردين.

 

في الحالة الأولى، هناك عدة أسباب تفسر هذا “الالتزام”. ففي عام 2016 ، أجرى معهد الدراسات الأمنية (ISS) لقاءات مع 63 من المقاتلين السابقين تتراوح أعمارهم ما بين 17 و75 عامًا في مالي، بمن فيهم تسعة عشر في السجن.

يتضح من خلال هذه المقابلات أن “عوامل عدة، لا صلة لها بما هو اقتصادي أو ديني أو عقائدي، تفسر تواجد الشباب بين صفوف الجماعات الجهادية المسلحة. فـالرغبة في حماية النفس أو حماية الأسرة أو الطائفة أو النشاط الاقتصادي تبدو من بين أبرز عوامل الالتزام […]. كما أن انخراط الشباب في معظم الحالات التي وثقتها هذه الدراسة، لم يكن انخراطاً نتيجة عملية تلقين عقائدية”.

تؤكد تجربة جمعية “ديورال بولاكو” وقائدها، أميرو بوليكيسي، استنتاجات معهد الدراسات الامنية: ففي عام 2012، عندما قام متمردو الطوارق، التابعين للحركة الوطنية لتحرير أزواد (MNLA)، بطرد الجيش المالي من الجزء الشمالي للبلاد (بما في ذلك هايري وسينو)، شعر الرعاة الفولان في هاتين المنطقتين بالقلق الشديد إزاء تزايد عمليات سرقة الماشية التي يقعون ضحيتها.

حيال هذا الوضع، توجه شيخ قرية بوليكيسي إلى باماكو من أجل طلب المساعدة من الحكومة، دون جدوى.

لدى عودته، ظهرت الى الوجود “حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا” ( Mujao) وهي جماعة مسلحة أخرى في المنطقة انبثقت من انقسام في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQMI)،.

و بضغط من الرعاة، دخل أميرو على اتصال مع أفراد هذه الجماعة، ليس بهدف تبني أفكارهم ولا من أجل فرض الشريعة على سكان المنطقة، بل فقط بغرض التفاوض من أجل الحصول على حماية.

“حمايتنا من عمليات السرقة”

في غضون سيطرتهم على مدينة كاو وطردهم للحركة الوطنية لتحرير أزواد، عرض رجال “حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا” على أميرو بأن يرسل بعض الشباب لتلقي تدريب على القتال، وهو ما قام به.

منذ ذلك الحين، يشتبه في كون هؤلاء الشباب جهاديين، وهو ما عرّض بعضهم للقتل، كما سُجن أميرو نفسه عدة مرات في مالي وفي بوركينا فاصو، رغم تأكيده المستمر لوفائه للدولة المالية وعدم تبنيه أفكار الجماعات الجهادية.

“كل ما في الأمر حماية أنفسنا من السرقات وإنقاذ ثروتنا الوحيدة”، هكذا كان يردد على مسامع كل من يحاوره. عملية مماثلة دفعت إلى قيام جماعة الفولان، في منطقة تيلابيري الشمالية بالنيجر، الى الانضمام إلى الجماعات الجهادية، بما في ذلك تنظيمَيْ “حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا” و“الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” (EIGS). يحكي لنا عن ذلك أحد المفاوضين العارفين بالوضع، بحكم اتصاله بهم في إحدى ميليشيات الدفاع الذاتي تأسست في أواخر التسعينيات: “صحيح أن بعضهم تبنى تلك المعارك، لكنهم قلة. جلهم التحق بالجهاديين فقط بهدف الدفاع عن النفس ضد هجمات المتمردين الطوارق، ولم ينجحوا بعد ذلك في التخلص منهم.”

لكن هناك عوامل أخرى تفسر مشاركة هؤلاء الشباب، كإغراء الكسب المالي3، كما قد يتم وعدهم بمستقبل أفضل أو قد يتعلق الأمر أيضا بمجرد لقاء سانح...

برأي أحد شيوخ منطقة موبتي، يفضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، ولقد أقدم على إخفاء البعض من هؤلاء الشباب بعدما تمكنوا من الفرار من المعسكرات الجهادية.

يقول : “تم خداع هؤلاء. معظمهم، من أسر جد فقيرة، لم يدخلوا المدرسة، كما أنهم غير مزوّدين بما يكفي من الحجج لمواجهة الخطب الرنانة. لقد قيل لهم ما أرادوا سماعه، ولكن بمجرد وصولهم إلى عين المكان أدركوا أن الأمر ليس كما كانوا يتخيلونه. كانوا يجهلون ما سيُطلب منهم لاحقاً القيام به.”

حافز المال

إبراهيما (اسم مستعار)، 22 سنة، من بين هؤلاء الذين استضافهم الشيخ. عضو سابق في “كتيبة ماسينا” (يرأسها حمدون كوفا، ولها علاقة بـ“جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، وهي نتاج اندماج حركة “أنصار الدين”، المرتبطة بـ “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وكتيبة المرابطون، وبالتالي كتيبة ماسينا)، نشأ إبراهيما في أسرة فقيرة متألفة من 11 اخوة، ولم تُتح له فرصة الالتحاق بالمدرسة العمومية إذ اكتفى بالتردد على الكُتّاب.

في عام 2013، انضم، وكان عمره لا يتجاوز 16 سنة، إلى مجموعة تكافح ضد سرقة الماشية، فاقترب منه بعض الشباب. يحكي إبراهيما: “قالوا لي إنهم يقاتلون بدورهم ضد عمليات السرقة، وإنهم كانوا يحصلون على المال مقابل ذلك.

لم يخبروني عن قيمة المبلغ، لكنهم قالوا لي إنني سأتلقى المال بمجرد انضمامي إليهم. كان المال هو دافعي الرئيسي، رغم أنني كنت أيضًا متحمساً لفرصة تعميق معرفتي الدينية، بل وحتى لإرسالي إلى اليمن، لما لا، أو أفغانستان من أجل الدراسة.”

orientxxi.info

ترجمة موقع الحقيقة