حين تختلط الأوراق / سالم الذيب

اثنين, 02/18/2019 - 12:54

يوجد في عالم السياسة ما يسمى بالقناعة وكثيرا ماتكون هذه القناعة أكثر رسوخا عند المناضلين من العامة لا سيما إذا كانت الجهة السياسية لهؤلاء منطلقة من إديولوجية معينة (مرجعية قومية أو إسلامية )
بيد أن هذه القناعة تخضع لضوابط مختلفة خاصة إذا كان الشخص صاحب طموحات بغض النظر عن طبيعة هذه الطموحات مما يجعل استجابته في هذه الحالة لفكرة "القناعة" تتطلب انساجما أو تطباقا بين بعض طموحاته -حتى لا أقول كلها -
مع أهداف الجهة السياسية المقصودة وهذا قد لا يكون صعبا خاصة أن "السياسة فن الممكن " والسياسيين بطبعهم يميلون إلى تلميع وتنميق أفكارهم بل وحتى تعدليها من أجل إصطدياد المزيد من الناس وكسب ودهم لمقارعةالخصوم وإن تطلب الأمر فن الخداع والتزييف لكن يبقى هذا متجاوزا ما دام في حدود الممارسة السياسية التي تتطلب المكر والدهاء كما أشار إلى ذلك ميكافلي في كتاب الأمير .

ويكون التنافس السياسي أكثر فائدة إذا كان بين قطبين يمتلك كلا منها برامج واضحة حتى وإن كانت مختلفة من حيث الطرح والأسلوب إلا أنها ينبغي أن تكون مبنية بعقلانية تامة من أجل كسب رضا الجمهور وشدة انتباه المثقفين الذين يجب أن يكون دورهم الأساسي مُنصبا على تثقيف العامة في أمورهم السياسية وتصويبهم لإختيار الأصلح بغض النظر عن الخلافات والولاءات وغير ذلك من الإكراهات التي تحول دون لعب المثقف لدوره الحقيقي داخل المجتمع ويبدو هذا بسيطا ومُنْسابا للوهلة الأولى لكنه ليس كذلك في الحقيقة فهذا النوع من السياسة يتطلب وجود مجتمع واعي يعرف ماله وما عليه ويدرك كيف يميز بين البرامج لا بين الأشخاص 
أما إذا كان الأمر عكس ذلك فإنه حتى السياسي نفسه يصبح أمام تحدٍ حقيقي يفرض عليه التعامل بأشكال مختلفة ومرنة من أجل كسب ولاء المثقف "المسقف" والعامي "الجشع" الذي يهتم فقط بمصالحه الذاتية وفي هذه الحالة يكون الصراع ثلاثي الأبعاد وتغيب فكرة القناعة التي تحل محلها فكرة ''حيث ماوجدت مصلحتي أكون " وعندها يخسر الجميع قيمته الحقيقية المعنوية ومبادئه النبيلة فضلا عن خسارة مادية تتفاوت بين العامي والمثقف والسياسي فالأول سيخسر حقوقه وإن حصل عليها سيكون عليه دفع مقابل والثاني سيعاني في أحسن الأحوال من تقييد فكره وخياله هذا إن لم يخسر ذاته بفعل إكراهات الولاء أو وطنه بسبب المعارضة والمطاردة ،أما الثالث فسيكون الأحسن حالا في الظاهر لكن ذلك مدفوع الثمن وقد لا يكون سوى تمظهر زائف يخفي ورائه أنين ووجع لا يمكن التداوي منه لأسباب خارجة عن الإرادة أحيانا
وعند حدوث هذا النوع من الحالات تختلط الأوراق وتفقد المؤسسات مصداقيتها ويصبح الناس في ريب من أمرهم .