
إليكَ في مرقَدِكَ ،أيُّهَ الخالُ العزيز !
أصعب كأس يتجرعه الإنسان ،في حياته هو كأس فراق الأحبة طعمه أمرّ من الحنظل ، تعافه النفوس تتجرّعه ولاتكاد تسيغه ،ولكن هيهات هيهات ،فلامهرب من قضاء الله وقدره ،
هكذا هي الحياة لم تسقك كأس السعادة إلّا لتشفعه لك بكأس الحزن والأسى ،
تمنحك شخصا رائعا فيخلق لحظات من الفرح والسعادة في حياتك ،ثمّ يختفي مخلّفا وراءه الكثير من الحزن واللوعة ،والأسى واليأس ،تاركا وراءه نفساً تكتوي بنار الغياب ،
ومايخبرك عن خلق الليالي ***كمن فقد الأحبّة والأصحابا
وماليلة سبت الثاني عشر من أغسطس إلّا واحدة من تلك الليالي بالنسبة لي .
طوى الجزيرة حتّى جاءني خبرٌ***فزعت فيه بآمالي إلى الكذبِ
حتّى لم يدع لي صدقه كذبا ***شرقت بالدمع حتّى كاد يشرق بي .
في الساعة السادسة فجرا ،عاجلني اتصال ينعي خالي العزيز محمد بن أحمد بن أحمدلعلي، من كان امحمد بن أحمد يوره عناه بقوله :
ومن كان للنزّال أمْناً ومنزِلاً *** وكعْبَةَ أمنٍ لايُضامُ نزيلها
ومن كانتِ الأفواجُ في كلّ موطنٍ*** يلوذ به تِنبالُها ونبيلُها
بدأت ألسنةُ نار لظى الأحشاء تتقد ،بين ثناءية صدمة النعي تحت نيران النأي ،ومتانة الآصرة في مقابل الفاجعة العظمى ،
جلست أفكر لحظة في سرعة زمان الأشياء ،وإن طالت في مباهجها القمم الشوامخ والجبال الرواسي ،بعد يسير من التأمّل ولحظات من التفكير ،طفقت أشرطة طويلة من محاسن الذكرِ وجميل الصنعة وصفي الوداد الذي طالما ألفته فيه،تدور في خلدي، رضيت من الغنيمةِ بالإيابِ....،عدت بتحصيل الحاصل ،من التسليم بأمر لامردّ لقضائه، وتذكرت قول الله تعالى :
(وما جعلْنا لبشرٍ منْ قَبلكَ الخلدَ))
أطلقت للذكريات عنانها فإذا هي كالحلقة المفرغة ،لايدرى أين طرفاها ،سلسلة متصلة الحلقات ، دارت بي الذكريات حيث آخر لقاء لقيته وآخر نظرة ألقيها إليه ،منذ قبل عشرة أشهر ،ولو علمت أنّها هي الأخيرة لمافارقته ،مابقي من عمره ، ذهب عنّي بلا توديع
ليته علم ماانتابني من حزن ولوعة لفقده،ليته أبصر وشلا بعنيي من الدموع لايزال معينا ،ليته علم ماحلّ بقلبي من ألم وأسى بعد فراقه ،
ومَا أسى بنت عمرٍو بن الشريد على ***صخرٍ ولاالبثّ من معروفة الخنسِ
ولا حنينُ ابن زيدون الأديب إلى *** ولّادة وليالي وصل أندلس
يوماً ببالغ شسع النّعل من جزع *** فينا ولا عشر المِعشار من خمسِ،
خالي العزيز سامحني ، لقد كنت مقصرا في حقك حيث كنت أطيل الغياب عنك ،وليتني لم أفعل ،
فها أنااليوم في دنيا لاتسعفني بك ،ولكنّ ذكراك لم ولن تفارقني أبدا ماحييت ،
رحمك الله يامن جمع لك الله بين المال والجمال والجاه، ثلاثية قلّمااجتمعت في أحد إلّا طغى وتكبّر ، ومع كلّ ذالك كنت صائنا لشبابك من أن تشوبه معصية أية معصية ،لقد كنتَ أصْدقَ وأكرم وأعفّ من عرفته على الإطلاق ،عُرفت من بين خِلّانك بالبذل وإهلاكِ المال في حاجات محتاجيه ،
رحمك الله يامن كان منزلُك رحبا ،وبابك مورودا ،وفناؤك خصيبا ،تعطي الجزيل وتحمل الكلّ وتعين على نوائب الحق ،
رحمك الله يا سمح الخليقة ،يامن كانت بشاشة الوجه سجية لك ،بشوشا في وجه كلّ ضيف ولسان حالك قول شمس الدِّين البديوي :
إذا المرء وافى منزلًا منك قاصدًا *** قِرَاك وأرمَـتْهُ لديك المسالكُ
فكن باسمًا في وجهه متهلِّلًا *** وقل مرحبًا أهلًا ويومٌ مباركُ
وقدِّم له ما تستطيع من القِرَى *** عجولًا ولا تبخل بما هو هالكُ
فقد قيل بيت سالف متقدِّم *** تداوله زيد وعمرو ومالكُ
بَشَاشَة وجه المرء خيرٌ من القِرَى*** فكيف بمن يأتي به وهو ضاحك ُ
رحمك الله يا من كنت برّا بوالديك رحيما بإخوانك ،يا أعزّ خال ، وأيُّ خال يوازيك ،
فمن ذا الذي يبأى عليّ بخاله .......
وعمّا تبقّى من حميد خصالكَ *** أرى الصّمْتَ أولى به من أن أتكلما
سأبكيك ولست وحدي ،سيبكيك الفقراء والأرامل واليتامى ،وسيبكيك حتّى مسجَدُك في مسْجِدك .
ابكِ الدّيار بدمعٍ منك منطلقِ*** عيب الديّار على من بالديّار بقي
يانفسُ صبرا على ماكان من ولهٍ***فسوف يافلُ نجمُ الحزنِ والقلقِ
وروضةُ اللهو أرجوا أن يتاح لها***بعدَ الجفاف اخضرار العود والورقِ
وأنا على يقين من أن البكاء لايجدي شيئا، وأحتسبك عندالله فهو حسبنا ونعم الوكيل ،
في ذمّة الله قطبٌ كان ذاخلق ***عذبٍ لطيف لذيذٍ ليّنٍ سلسِ.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وباسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب ،أن يصبّ عليك سجال عفوه، وشآبيب رحمته ،وأن ينقلك من ضيق اللحود ، ومسكن الدود ،إلى جنّات الخلود ،وأن يجعلك في أعلى عليي الجنة،اللهم جازه بالحسنات إحسانا، وبالسيئات عفوا وغفرانا ،اللهم لاتحرمنا أجره ولاتفتنّا بعده ،واجعله اللهم خير سلف لخير خلف ،آمين يارب العالمين
دمْعةُ حزن ولوعة فراق ! / محمد ولد أحمد لعلي