
المعين في اختيار المرشح الأمين / سيد الأمين ولد باب
بلادنا مقبلة في الأشهر القادمة على استحقاقات بلدية ونيابية وجهوية أرجوا من الله العلي القدير أن تتم بخير و بأمن وأمان وأتمني أن يحصل الخيرون الطيبون المعتدلون من المرشحين على ثقة الشعب ، ويسرني في هذا المضمارأن أشارك كل المواطنين الكرام ، في مختلف مناطق البلاد ، بعض ما خلصت إليه من تقييم قمت به للبعد التطبيقي للديمقراطية في بلادنا ، سعيا مني لتوضيح بعض العوائق التي تمنع حصول الفائدة العامة المرجوة من العملية الانتخابية ، وكذا لإنارة الطريق لكل تائه حائر يملك حق التصويت لكنه يفضل عدم ممارسة ذلك الحق لخيبة أمله المتكررة في كل منتخب :عمدة كان أو نائبا ، حيث لا يوجد لأدائهم في أغلب الأحيان أي أثر يربطهم بالمواطنين الذين انتخبوهم .
كل مرة يجرب المواطن المسكين شخصا لم يُنتخب من قبل لعله يكون أحسن من السابقين، ويتعب هذا المسكين من أجل أن يصوت له لكن يَخيبُ أمله في ما بعد، لما يُصبحُ ذلك المرشح عمدة أو نائبا، وأحيانا يُعيد المواطن انتخاب عمدة سابق قد خَيبَ أمله من قبل، لعله يكون قد تغير لِما يَسمعُ من حسن خطابه هذه المرة، ومن كثير وعوده المغرية، لكنه عندما ينجح يبدأ في إكمال ما أنجزه لنفسه سالفا غير آبه بحقوق المواطنين الضعفاء وسكان المدينة عموما، فيخيب أمل المواطن مُجددا.
تكررت هذه الحالة مرات عديدة ـ في مختلف أنحاء البلد ـ مع مجرب سابق وآخر لم يجرب من قبل، وكلهم لا يهتم بأمر المواطن الضعيف ، ولا يراه إلا قبيل انتخابات أخرى ،حيث يأتي إلى المواطن يرفل في الحرير ويركب الفاخر من السيارات ويَلْبَسُ مَسْحَةً أخلاقية جديدة ويَخفِضُ الجناح ويبذل المال من أجل أن يَغْتَرً به المواطن من جديد !!.
وفي هذه الأيام التي كثر فيها التنسيق تحضيرا للانتخابات ، أضع بين يدي المواطن الكريم في كل مكان من الوطن العزيز إن هذا التقييم الذي قمت به في مجال ممارسة العمل الديمقراطي في بلادنا ، وأرجو أن يكون قد تَضَمًنَ الإجابة الشافية على كل تلك الإشكالات التي يطرحها المواطن في سعيه لاختيار المرشح الأمثل ، وأن يكشف للمواطن الكريم كل العيوب المتعلقة بالانتخابات ليتفاداها في الاستحقاقات القادمة ، وأتمني أن يكون هذا التقييم قد شَكًلَ مستندا لكل مواطن حائر خاب أمله في ممارسة حقه في التصويت ، وأرشده إلى ما هو أفضل من الامتناع عن التصويت، ووضع له ميزانا يقيس به كل المرشحين لمعرفة أيهم أكثر قابلية لأن يكون ممثلا حقيقيا للشعب ، يحمل هم المواطن ويسعي إلي إنصافه ، وفي ما يلي سنقدم لكم أهم الملاحظات التي نعتبرها حائلا دون استفادة المواطن الكريم من حقه في التصويت لاختيار المرشح الأمثل ، وذلك تحت عنوان : "المعين في اختيار المرشح الأمين " :
أـ من جهة المرشح
إن معوقات اختيار المرشح الأفضل منها ما يتعلق بالمرشح نفسه أو الجهة المسؤولة عن ترشيحه وسنجمل أهمها في ما يلي:
1ـ بعد تتبع شبه دقيق لحال المرشحين للمناصب الانتخابية ـ في أغلب مناطق البلد ـ من حيث الأبعاد : الاجتماعية، والمالية ،والأخلاقية ، والعمل السياسي الميداني السابق ، توصلت إلى أن المرشح عندما يكون من أسرة ذات مكانة تقليدية : سلطة زمنية أو دينية فإنه سيكون غير مهتم في الغالب بالمواطنين بنسبة 90% أي أنه سيكون نائبا أو عمدة لنفسه ولمن يعول من أهله ، والدليل على ذلك هو تكرار هذه الظاهرة في أغلب مقاطعات البلد منذ سنة 1987حتي الآن ، وتفسير ذلك حسب مقتضيات الأحوال المختلفة : أن هؤلاء تربوا على يدي أسلافهم الذين يتمتعون بقيمة كبيرة داخل المجتمع من حيث هم أصحاب السلطة الدينية أو الزمنية وهم خيرة المجتمع الذين يشهد لهم الجميع بالفضل والتفوق ، وهم أهل لذلك فعلا ، بحسن فعالهم وجميل معاشرتهم للناس وبهمتهم العالية التي تتجاوز المصالح الشخصية ، لذلك كانوا هم الأسياد وغيرهم من المجتمع لا يجد بأسا في التبعية لهم.
ورث الأبناء مجدا جميلا لكنهم في أغلب الأحيان ، وبدل أن يحافظوا على استمراريته ، تسابقوا إلى نهب الموروث كل يريد أن يكون أكثر استفادة منه ، ولم يعلم هؤلاء أن هذا الموروث ليس ثروة متجددة . بل إنه كالشجرة ذات الثمار الطيبة ، فإن تعهدها الخلف بالسقاية والرعاية ، أينعت وأثمرت وأعطت أكلها كما كان طيبا ، وإن لم يتعهدها بالرعاية ذبلت وفقدت خضرتها وجمالها وفقد الجميع ظلالها الوارفة وثمارها الطيبة، وهذا هو ما حصل في أغلب الأحيان حيث يعتبر الخلف أنهم الأولى بالسيادة مهما كان أداؤهم ضعيفا ودون المستوى ، وأنه لا يمكن لغيرهم أن يسود في المحيط الذي يعيشون فيه إلا بمباركتهم له ، ولذلك فهم ليسوا بحاجة إلى القيام بعمل جيد يقربهم من الناس ، فيعمل الواحد منهم حسب هواه غير
هواه غير مهتم بتنمية مقاطعته ولا بحقوق القاطنين فيها ، إذ لا يخشي تقلب الناس وإدبارهم عنه، وإن خشي ذلك فإنهم لن يجدوا بدا من انتخاب أحد أقاربه ولا بأس بذلك عنده لأنه يصب في مصلحة الأسرة ، أما الآخرون فلا مكان لهم ولا دور، وكل الأمور تسير رغما عنهم . ويصدق في هؤلاء قول عالم الاجتماع العربي المشهور "ابن خُلدون" في كتابه المقدمة حول تطور أحوال العمران البشري ومسيرته من النشأة إلى الخراب ومروره بأربعة أجيال هي : الباني ويليه المباشر ثم المقلد ثم الهادم وهو الذي يرى أن الناس تبع له وليس لهم عليه حق .
2ـ أصحاب الأموال:
إن المرشح الذي يملك المال ويستخدمه في السياسة ، لن تقل نسبة فشله في تسيير البلدية أو التمثيل في البرلمان عن 95% لأنه في حقيقة الأمر هو في أغلب الأحيان مجرد تاجر يريد الربح المعنوي : السيادة وفي الغالب يرافقها التغول أو المادي : زيادة المال، لكن من خلال ما تتيحه المناصب الانتخابية من فرص ومكتسبات ، فمثلا إن كان مرشحا لنيابيات فإنه في الغالب يهدف إلى الحصول على حصانة دبلوماسية تمكنه من حرية التنقل الآمن في كل بقاع العالم للاطلاع على البضائع وتوقيع الصفقات التجارية وتسويق بضاعته في الخارج ، وجلب ما أمكن من البضاعة دون رسوم جمركية ، فهو لذلك سيكون كريما مع المواطنين في الانتخابات وقُبيْلَها، لكنه سيكون كريما ـ أيضا ـ مع النظام الحاكم ومع رئيس البرلمان بإعفائهم من أي مداخلة تُحرجهم ، وتكشف حجم معانات السكان في مقاطعته ، وكأنه نائبا عن الدولة والنظام ، وليس نائبا عن الشعب وسكان المقاطعة الذين انتخبوه بحماس .
سيبقي الناخبون والفقراء منهم على وجه الخصوص بعد الانتخابات في جحورهم البائسة بدون أبسط وسائل العيش الكريم : يَئِنونَ تحت وطأة الجوع ،والعطش ، والظلام ،والحرمان من المشاريع المهمة لأن معاناتهم لم تجد من يوصلها إلى النظام الحاكم ، وحتي إن جادت بها الدولة دون طلب فإن ظاهرة الزبونية لدى مثل هؤلاء المنتخبين ستقف حجر عثرة دون استفادة الفقراء منها . ستفتقر مشاكل المدينة كلها قلقوة الطرح المحرجة في قبة البرلمان ، لأن النائب المعني بالمقاطعة ذهب إلى الخارج لإنجاح تجارته وتنمية أمواله من خلال اكتشاف أسواق وبضائع جديدة ، فلهذا أنفقَ ماله في السياسة ، وليس مدينا لأي مواطن بأي خدمة ، فأصواتهم أشتراها بماله وإن ترشح مرة ثانية يُعيد الكرة ، وهو لذلك ليس بحاجة إلى عمل ما يقربه من المواطنين خصوصا المساكين منهم لأنهم في الأصل بحاجة إلى المال ويكفيهم القليل، وأصواتهم لذلك رهن إشارته أو توجيهه في أي وقت .
وإذا كان صاحب المال مرشحا للبلدية، فإنه كذلك ليس مدينا لأي مواطن بعمل أي خير تجاهه ـ حسب رأيه ـ لأنه قد اشترى أصوات الناس، ويلزم عليه استرداد تلك الأموال، بل وزيادتها، لأن ذلك هو الهدف أصلا، لذلك لن يقدم للبلدية أي خدمة، ولن يفيد ضعفاءها بأي شيء، إلا من كان له خادما مستميتا في خدمته وخدمة أجندته التجارية التي ينهب بها المال العام وكل ما يصل البلدية من معونات للضعفاء حيث يتم بيعه خلسة للتجار.
3ـ أصحاب الجاه والأحلاف السياسية الحديثة:
إن نسبة فشل أصحاب الجاه من الذين يتصدرون المشهد السياسي: مترشحين أو داعمين لمرشح تبلغ 85% ، لذلك فإن مرشح الأحلاف السياسية الكبيرة في أي مقاطعة لن يتوقع منه خير ولا إصلاح إلا بنسبة تقدر ب 15% غالبا ، لأن تحالفات قبلية كبيرة هي التي قذفت بالمرشح إلى منصب العمدة مثلا، ولن يجد هذا العمدة نفسه ملزما باحترام ولا بتقدير أي شخص (ناخب) بعد نجاحه لأنه ليس مَمْنُونا إلا لأصحاب الجاه الذين يقودون الحلف الذي رشحه ، أما عامة الناس فقد صوتوا له بالاستغلال السيئ جدا للعاطفة القبلية ، والشرائية ، وبإنفاق المال . فبتآمر قادة المجموعات القبلية ...ينجح المرشح للبلدية ، وليس عليه بناء على ذلك ـ حسب ما يرى في الغالب ـ أن يراعي إلا مصلحة من أوصلوه إلى المنصب ، أما عامة الناس وضعفاءهم بالأخص فليس لهم بعد نجاحه إلا الحسرة ، والألم ، وخيبة الأمل ، وكل ذلك لا يهم مرشحَ كبار المتآمرين على المواطن الضعيف (الحلف السياسي) الناشئ من القمة ( الوجهاء) ـ لأن هناك حلفا آخر قد ينشأ عن القاعدة وقادته تفرزها القاعدة حسب الحماس والإخلاص والخدمة الطيبة ـ وإذا ليس مرجوا من عمد هذه الأحلاف إصلاحا إلا بنسبة 15% لأنهم إن عادوا إلى الترشح مرة أخري فالحلف كفيل بإنجاحهم ، رغما عن المواطن الذي لا يريد أن يرى ذلك المرشح أحرى أن ينتخبه ، لذلك فهو ليس ملزما بتحسين صورته ولا تحسين أدائه للمواطنين بتقديم الخدمة الطيبة أو بنشر العدل في كل ما يتعلق به ، أو بالبحث لمعرفة أحوال الضعفاء ومساعدتهم ، والرقابة على كل ما يوزع عليهم ليصلهم بالعدل .
كل ذلك لا يهمه لأنه مناقض لمصلحة من رشحوه. فمصلحة الوجهاء وكل المفسدين تكمن في تقليص أصوات الناخبين