مفهوم الإرهاب ومفهوم الجهاد / محمد سدينا ولد الشيخ ولد أحمد محمود

أربعاء, 02/21/2018 - 00:59

الإرهاب مصطلح غامض جعلت منه بعض الدول وسيلة لملاحقة كل من يريبها حتى ولو لم تنهض ضده أدلة جنائية، وقد تستغله ضد خصومها السياسيين حتى صار لكل دولة تصنيف إرهابي يتصادم مع تصنيف منافستها في أغلب الأحيان.

 

وفي ظل تفاقم الظاهرة الإرهابية تقود دول حملات إعلامية للثناء على دور شخص أو جماعة تصنفهم دولة أخرى كغول إرهابي غير محكوم بضوابط.

 

وبين هذا وذاك يضيع الشباب المسلم الباحث عن الجهاد والذي تجمعه فكرة عداوة دولة إسرائيل التي تحتل مدينة القدس وتنكل بالفلسطينيين، وهي مدينة لها ارتباط بتناسخ الديانات السماوية عبر الزمن وقدر الله لصاحب السلطان عليها أن يكون القوة المهيمنة في العالم.

 

ذلك الوصف يصدق على دولة إسرائيل حيث تشكل أغلب سكانها من جاليات مهاجرة من الدول العظمى، ما جعل تلك الدول ترتبط بها ارتباطا خاصا وتعادي حملة فكر إزالتها وتصنفهم مرضى لا علاج لهم سوى قطع الرؤوس، لكنها لا تتولى ذلك بنفسها في أغلب الأحيان ما دام المكفى سعيد.

 

حملة فكر إزالة إسرائيل تقاتلوا فيما بينهم ولم يبق على رب العمل سوى توفير السلاح لكل فريق، ومع هذا فالأجير هو من يدفع مقابلا عن كل قتيل.

 

هذا الواقع المرير حملني إلى كتابة تدوينة على الفيسبوك تضمنت: أن الدول التي تحارب الإرهاب هي التي تصنعه، ما دام جزءا من تلك الدول قد يروج لأيديولوجية ما يعتبرها البعض الآخر إرهابا، وجزءا يعمل على خلق ظروف طاردة للشباب، وجزءا يوفر السلاح والمعلومات اللازمة لحصد أكبر كم من الرؤوس البشرية.

 

لعنة هذا الغول الإرهابي لم تكن حكرا على زماننا بل ظهرت في زمن التابعين على شكل جرائم الخوارج الذين تأولوا تأويلا حرف الكلم عن مواضعه إلى حد معاملة المسلم المعارض لهم ككافر محارب، ولهذا لم ينج بعض المسلمين من بطشهم رغم نطقهم للشهادتين مع حفاظهم على صلواتهم وزكواتهم.

 

وما دام الخوارج تعاملوا مع المسلم بتلك الطريقة فمن المؤكد أنهم تعاملوا بها مع الذمي والذي كان في عهد ذلك المسلم، والمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم.

 

تلك المنكرات حاول الصحابي عبد الله بن عمر تغييرها دون جدوى، وهي منكرات من ضمنها تكفير الخوارج للإمام علي رضي الله عنه الذي منعهم من معاملة المسلمين الخارجين على طاعته في الشام معاملة الكفار فلم يسمح بسبي النساء والأطفال، ومع هذا استمر ابن عمر يحضر معهم الصلاة ولم يكفرهم.

 

الغول الإرهابي الذي يقتل دون سبب كانت إيديولوجيته مستساغة من طرف عدو الخوارج الأول الحجاج ابن يوسف الثقفي سيف بني أمية، ما جعل الصحابي عبد الله بن عمر المذكور يستهجن أفعاله وأقواله التي لم ينج منها بعض الصحابة بل طالت المساجد التي حمل فيها السلاح كما حمله في الأشهر الحرم، وهي ظروف زمانية ومكانية يحرم فيها حمل السلاح.

 

ورغم معارضة ابن عمر للحجاج لم يكفره وكان يحضر معه الصلاة كذلك إلى أن غدره وقتله مسموما.

 

ومما روي عنه رضي الله عنه في موقفه من الحجاج والخوارج قوله: إذا دعيت إلى الصلاة أجبت وإذا دعيت إلى القتال جلست.

 

والغول عند العرب والمسلمين مختلف في أمره لأنهم لم يحسموا مواقفهم منه هل هو حقيقة أم خيال؟

 

وبما أن الإرهاب اليوم غول بما في الكلمة من معنى فإن العالم الإسلامي بطوائفه المختلفة صنفه اليهود كغول يريد تدمير الأرض، وأشاعوا أن أهدافه مخالفة لأهداف الرسالات السماوية روحيا وماديا، وأن خطره يهدد الحضارة البشرية وينبغي تدميره، وكانت أنجع وسيلة لذلك هي الإرهاب البيني.

 

دعوة اليهود استجاب لها سياسيون يمينيون في البلاد التي عاشت هزائم أمام الجيوش الإسلامية زمن الفتوحات، وهي بلاد لا يزال فيها من يراوده حلم الانتقام وكراهية المسلمين، وبذلك وجدوا في تهمة الإرهاب الحل السحري، وخلطوا عمدا بين الإرهاب والجهاد لتشويه صورة الإسلام.

 

وبموازاة ذلك استغلت عصابات الجريمة المنظمة راية الجهاد بشكل مريب ولطختها بأفعال همجية باسم الدين الإسلامي، والدين الإسلامي منها براء إلى حد استهداف الركع السجد في المساجد والكنائس. وهي عصابات لها مذاهب شتى وبعضها تتبناه دول وبعضها نشأ بسبب ظروف أخرى.

 

والفرق بين الجهاد والإرهاب أن الجهاد قسم من أقسام المعرفة كان ولا يزال موجودا في عقيدة الإسلام، وبه تمت هزيمة حملة الأفكار التخريبية المدمرة للحضارة البشرية وهم أتباع كل نهج يعارض أداء بني آدم لأمانتهم التي كلهم الله بها حين استخلف آدم في الأرض وأمره بإعمارها روحيا وماديا بالعبادة، وهي المهمة التي عارضها الشيطان ووضع على عاتقه مهمة إفشالها بما في ذلك العمل على إشعال الفتن بين الأفراد وبين الجماعات حتى مستوى حرب الحضارات التي هي فردوسه المفقود.

 

الجهاد إذاً لا يكون إلا باتباع القواعد التي بين الأنبياء كطريق لنصر الله على الشيطان، وهي القواعد التي مكنت المسلمين من هزيمة أعداء الله وقتل رجالهم وسبي نسائهم وأطفالهم. وكان جزء من أعداء الله هؤلاء أهل كتاب جاءتهم البينة وعرفوا أن دين محمد صلى الله عليه وسلم دين حق جاء لتصحيح مسار دينهم الذي حرفه من كتبوا الكتاب بأيديهم ثم قالوا هذا من عند الله.

 

وكان على أهل الكتاب انطلاقا من ذلك واجب إتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، غير أنهم سلكوا طريق الشيطان الذي أمرهم بالتعصب للخطأ فسخروا معلوماتهم من الكتب المقدسة للصد عن سبيل الله وحرب نبيه ومجادلته والتحريض عليه، ودعاهم للاستعداد لقتال النبي فاستعدوا وجمعوا الأحلاف وعقدوا معهم العهود وتجسسوا على النبي الذي عاهدوه عهدا صوريا تمكنوا به من التجسس ومخالطة المنافقين، ففضح الله أمرهم بعد هزيمة الأحزاب.

 

كان حكم الله فيهم قتل رجالهم وسبي نسائهم وأطفالهم كما بينا، وهو حكم بديل عن مسخهم قردة كما حصل لأعداء الله من أمم أخرى.

 

عاقبهم الله بتلك الطريقة التي كانت بديلا كذلك عن خسف الأرض بهم، وبديلا عن إرسال الرياح الصرصر العاتية أو الطوفان التي هلكت بها أمم أبيدت ولم يبق منها نساء ولا أطفال تنبعث منهم إن أسلموا وتحرروا.

 

هؤلاء النساء والأطفال صاروا عبيدا بقدر من الرب المعز المذل الذي يختبر المستعبدين ويفتح لهم طريق الحرية عبرالإسلام الذي هو دين رغب في تحرير العبيد إن جاهدوا أنفسهم حتى يؤمنوا بالله ويتخلصوا من الشيطان الذي قادهم إلى الهلاك أول مرة.

 

هؤلاء كان من حظهم أن الله لم يقطع دابرهم لأنهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي لا تهلك بما هلكت به الأمم الأخرى وإنما تهلك بالتحارب البيني إن تخلت عن واجب الجهاد كما هو في واقعنا اليوم.

 

ومن الغريب أن سنة الله في خلقه قضت أن تكون الأسلحة المستخدمة في هذا الزمان أسلحة شبيهة بالصواعق والرياح الصرصر وغيرها من المهلكات لتهلك بها هذه الأمة عدلا من الله بين الأمم، ومهد لذلك بتسليط الأعداء حين تخلت عن واجب الجهاد فاجتمعوا عليها كالأكلة على قصعتها.

 

من هذا يتضح أن الجهاد يختلف عن الإرهاب لأن الإرهاب يخدم أعداء المسلمين، أما الجهاد فهدفه توحيد الله والعدل بين الناس ووقف ظلم الظلمة واستكبارهم في الأرض بغير حق، وأكبر ظلم هو الشرك بالله الذي مدنا بجميع النعم.

 

إن قواعد الجهاد لا تسمح بقتل الكفار إلا إذا اعتدوا أو نقضوا عهد الذمة أو حاربوا جيوش الفتح الإسلامي بعد رفض من ولي أمرهم الاستجابة لرسالة الإسلام وتماديه في ذلك بالامتناع عن أداء الجزية إن كان من أهل الكتاب ليكون الخيار الثالث هو القتال، ولا يكون القتال إلا بأمر من سلطان مسلم هدفه تخليص الكفرة من الشيطان الذي استولى عليهم.

 

فالعداوة بين المسلم والكافر ليست بطبيعتها بين بني الإنسان فيما بينهم وإنما هي بينهم من جهة وبينهم والشيطان من جهة أخرى، لذا يلتزم المجاهد بالتوقف عن قتال الكافر بمجرد نطقه الشهادتين ولو كان المسلم واثقا من تفوقه عليه، ما دام الهدف ليس الانتقام كما قد يتصور البعض.

 

الجهاد لا بد إذاُ أن يكون خالصا لوجه الله بحيث لا تكون الدولة التي تعلنه تهدف منه إلى أمور ليست لله، كما لا يمكن أن يكون محرك المجاهدين ثأرا أو عداوة أو أطماعا مادية، فالقتال لنيل مثل تلك المآرب هو الإرهاب بعينه.

 

واليوم شرعت شرائع الهوى لمنفذي بعض الهجمات الانتحارية ظلم أنفسهم وترويع الآمنين وتجاهلوا أن الرب تعالى لا يعجزه هلاك الكفار بما أهلكهم به من قبلهم، لكنه امتحن هذه الأمة بالصبر على الدعوة والموعظة الحسنة ثم بالجهاد إن توفرت الشروط.

 

ومما يندى له الجبين كون أمتنا تساق إلى الموت بصراعات بينية يذكيها حكام وأمراء حرب وعصابات وجهوا قوتها العسكرية إلى الشعوب بدل العدو فضاعت فكرة توحيد المسلمين في كبة المعركة وصارت تلك الفكرة إرهابا يهدد سيادة الدول الوطنية ونفوذ الحكام، فصنفوا حاملها بين الإرهابيين أحيانا وبين المجانين في أحيان أخرى على قدر تأثيره.

 

ومن الجدير بالذكر أن الجهاد لم يأمر الله به المسلمين حين كانوا في مكة التي كان أغلب سكانها كفرة ولم يكن وقتها بينهم منافق. ولم يأمر به تعالى ضد بلاد الحبشة حيث ملك عادل لا يظلم عنده أحد. وإنما أمر به في المدينة التي ظهر بها منافقون والتي شهدت أيضا نشأت الدولة التي لا تسمح بالتمرد الذي هو الردة.