المحظرة الموريتانية الواقع والآفاق وتحديات المستقبل (2) / محمدفال ولد سعيد

اثنين, 02/19/2018 - 12:58

مع بداية نشأة المحاظر الموريتانية كان المجتمع آنذاك فيما بين عهد المرابطين إلى حدود الألف أي :طيلة خمس قرون يحيط به نوع من الغموض

ولكن المعارف ازدهرت وبدأت تشرق فيما بعد ذلك فبلغت أوج ازدهارها في القرن الثالث عشر

فمن المحاظر ما عرف استقرارا نسبيا كمحظرة شنقيط و ولاته ووادان و تيشيت

 

والبعض الآخر لم يعرف ذلك الاستقرار حتى يمكن أن تسميه بمحظرة ظهور العيس

ومن تلك المحاظر محظرة العلامة اللغوي الشهير والعالم النحرير الذي انتشر علمه في محاظر موريتانيا الشيخ المختار بن بونه رحمه الله حيث خلد ذلك في إحدى قصائده وهي نونيته التي يقول فيها

ونحن ركب من الأشراف منتظم === أجل ذا العصر قدرا دون أدنانا

قد اتخذنا ظهور العيس مدرسة === بها نبين دين الله تبيانا

وبعد انتشار العلم في قطر شنقيط تعددت المدارس فيه كان ذلك مع بداية القرن الثالث عشر حيث امتاز بأنه قرن ازدهار العلوم بشتى أنواعها ولذلك تنوعت المدارس إلى عدة اختصاصات هي كالتالي

أ_ المدرسة العقلية اللسانية وقد ركزت هذه المحظرة على العلوم العربية والنحو والصرف منها بصورة خاصة

ومن أقطاب هذه المدرسة العالم العلامة الشيخ المختار ابن بونه رحمه الله فقد كان هو القطب الأساسي لهذه المدرسة إذ قام بدراسة الألفية ألفية ابن مالك جمال الدين أبي عبد الله محمد ابن محمد ابن مالك الأندلسي رحمه الله فعكف عليها فأعطاها كثيرا من الوقت وفهمها فهما حسنا فوشحها بطرة فريدة وبنظم فريد سماه ب (الجامع بين التسهيل والخلاصة المانع من الحشو أو الخصاصة) عرف فيما بعد ب (احمرار ابن بونه ) فتوسعت دائرة النحو وتعمق أبناء شنقيط فيه وعرف ازدهارا منقطع النظير مع محظرة العلامة الشيخ يحظيه ابن عبد الودود رحمه الله  فقد درسه على شيخه العلامة الحسن بن زين رحمه الله والحسن هو كذلك له دور بارز في الصرف فقد وشح لامية الأفعال بطرة ونظم جميل سلس

فعكف تلامذة العلامة يحظيه على النحو وكانت عبارات الشيخ يحظيه جميلة ومقربة للمعنى لكل من طاش فهمه عن النص يعطيه العبارة المناسبة له حتى يفهم فتضلع تلامذته في النحو فقاموا بنظم كل ما لم يأت به ابن بونه في احمراره أو طرته ومن هذه التلاميذ العالم العلامة الشيخ مم أحمد محمود ولد عبد الحميد الجكني رحمه الله وأنظامه جميلة جدا وسلسة وقريبة للفهم

والعلامة محمد عالي ابن عبد الودود رحمه الله والعلامة لمرابط محمد سالم ابن ألما رحمه الله والعلامة عبد الودود رحمه الله وغيرهم

ولست هنا أريد حصرهم لأنهم ماشاء الله كثر وإنما هي أمثلة فقط لنبين ثراء تلك المحظرة في اللغة

وقبلها أنظام العلامة الشيخ الحسن بن زين كثيرة في النحو وكذلك العالم العلامة لمرابط محمذن فال بن متالي طيب الله ثراه وغيرهم

ومن أقطاب المدرسة العقلية كذالك الشيخ العلامة محنض بابه بن اعبيد الديماني رحمه الله

ب- المدرسة العقائدية تشكلت مدرسة أخرى وقد اهتمت بعلوم العقيدة وما ينحوا منحاها فتعمقت فيه بشكل كبير

وكانت أرض شنقيط تنهج في العقائد طريقة أبي الحسن الأشعري رحمه الله لأنها جمعت بين طريقة المتكلمين والفقهاء باعتبار أنها اعتقاد أهل السنة

ولكن كان من العلماء الموريتانيين من مال إلى طريقة السلف التي تدعوا إلى الأخذ بالقرآن والحديث في العقائد وغيرها

وكان قطب هذه الدعوة العلامة لمجيدري بن حبل رحمه الله لكنه وجد معارضة قوية ولم يجد الأمر سهلا فكان أكثر الناس مخالف له  وعلى رأسهم العلامة المختار ابن بونه رحمه الله

ونقول بأن العقائد كانت تدرس في كل محظرة ولها أنظامها المعروفة

من الأنظام التي كانت تدرس في موريتانيا نظم إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة للشيخ أبي علي المقري وهو نظم جميل في العقيدة سهل على طريقة أهل السنة والجماعة

وقد نظم كذلك العلامة لمرابط محمد سالم ولد عدود رحمه الله في بداية نظمه لمختصر خليل الذي سماه (التسهيل والتكميل لفقه متن مختصر خليل) أحكام العقيدة فيما يربوا على مائة بيت

ونظمه في غاية السلاسة والحسن

ج - المدرسة الفروعية وهي التي اهتمت بدراسة الفقه وخاصة الفقه الخليلي أي :مختصر العالم العلامة أبي المودة سيدي خليل ابن إسحاق المالكي

وتسميتها بهذا الاسم يوحي بأنها مختصة لمختصر خليل لا فخليل كان منتشر في كل المحاظر إلا أن هذه المحظرة تعمقت فيه وأعطته من العناية والخدمة ما لم تبذله له أي مدرسة وهذه المدرسة هي مدرسة ( آل محمد ولد محمد سالم) المجلسيين فقد اعتمدت بمختصر خليل من عالمها الأول ومؤسسها الشيخ العلامة محمد ولد محمد سالم العلامة المشهور الذي ألف تأليفا قل نظيره الموسوم ب (لوامع الدرر في هتك أستار المختصر) وهو شرح لمختصر خليل ضن الزمان بمثله أودع فيه صاحبه من عويصات الفقه ما لا يوجد في غيره فشرح المختصر بعبارات مبسطة جميلة قبل أن يبدأ في أي فرع من الفروع يفتح النص بعبارة لا تجدها إلا فيه

فهذا يجمع باكورة الفقه المالكي في عصرنا لأنه جمع بين كثير من الشروح يأخذ من كل شرح على حدة

وبعد تأليفه عكف عليه أبناؤه ودرسوه ونظموا منه الكثير من الفوائد الفريدة والشواهد المفيدة ما جعل تلك المحظرة هي الحاضنة المركزية للمختصر

وقبل كل هذا عرف خليل ما عرفت الألفية من الخدمة فكما أن الألفية عرفت الطرة فقد عرف خليل الطرر وكانت أول طرة عليه

يتواصل في الحلقة القادمة عن الطرر في اللغة والفقه