للإصلاح كلمة تناقش حقوق الإنسان : أين تكون؟ / محمدو بن البار

خميس, 01/18/2018 - 08:14

كلمة الإصلاح قرأت هذه الأيام عنوانا في المواقع ذكرت فيه وجود لجنة افريقية لحقوق الإنسان جاءت لتحضير مؤتمر لحقوق الإنسان سيعقد في موريتانيا ، وقبل حضور هذه اللجنة كانت أسماعنا ممتـلئة من الاستماع إلى الإذاعات وأبصارنا شاخصة كذلك لرؤية الفضائيات والجميع يتـكلم عن حقوق الإنسان، والبحث عن هذه الحقوق في شبه مطاردة كل شخص أو دولة لا تحميها الدول العظمى بتبعيتها لها وتقع تلك الحماية حتى ولو تطلبت تلك الحماية استعمال الفيتو لضياع تلك الحقوق بالتعاون على الإثم والعدوان على حق الإنسان ، ولذلك أردت أن أكتب كلمة الإصلاح في موضوع حقوق الإنسان لأوجهها :

 

أولا : إلينا نحن أفراد المسلمين وشعوبها لتـتـفرق نظريتنا في شأن حقوق الإنسان مع نظرية من لا يؤمن بلقاء الله لقاءا متيقنا بأنه سوف يسأله في أول لقاء مع الله عن انتهاكه لهذه الحقوق الإنسانية ، وليعلم المسلم أيضا أن هناك حقوقا للمجتمع على الإنسان وأن كل إنسان مهما كان ـ أضاع حقوق إنسان آخر أو انتهكها أو تجاهلها أو لم يقم بتحقيق الحقوق وهو يستطيع فهو متمرد على الله وفي تلك الحالة فنحن المسلمون نـتيقن أن الله سيقف بالمرصاد لكل متمرد كما يقول تعالى بعد توضيحه للحدود والأمر بإنفاذها(( تـلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون )) .

والظلمة من الإنسانية أرسل إليهم المولى عز وجل هذا البلاغ ليتـلي عليهم وهذا نصه((ولا تحسبن الله غافل عن ما يعمل الظالمون )) إلى قوله تعالى(( وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب هذا بلاغ للناس))إلى آخر الآية.

هذه الصورة الكاشفة عن مصير الظالمين يوم القيامة هي التي أود أن يجعلها المسلمون أمام أبصارهم وألسنتهم عندما يريدون الكلام في قضية حقوق الإنسان ليميزوا تمييزا واضحا بين حقوق الإنسان البريء المراد حفظها له وتوضيحها للجميع والاستماتة في المحافظة عليها بكل الوسائل وبين معاملة الإنسان اللص المجرم الذي سلب الإنسان البريء حقه وأصبح محميا من طرف منظمات حقوق الإنسان بحجة البحث عن حق إنسان أهدر حقه باعتدائه على حق أخيه الإنسان البريء ، فأظن أن "ال" في حقوق الإنسان استغراقية ولا تعني حق الإنسان المجرم وحده .

فهذا العمل إذا صدر من المسلم فهو تمرد على الله وتجاهل لأوامره وعدالته وأمره الواضح بالحكم بالقسط بين الناس ، يقول تعالى(( يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربـين )) .

وقبل أن أفصل في حقوق الإنسان المطلوب حفظها له أو إرجاعها بعد سلبها عنه من أخيه الإنسان وبين حقوق الإنسان الظالم لنفسه السالب لحقوق نفسه وغيره فإني أود أن أقول للمسلم خاصة بأنه يعرف في قرارة نفسه أنه ولد وكبر وسيموت ويبعث مكتوبا عليه جميع ما قال وفعل ليحاسب عليه "وكل هذا بالقوة" بمعنى أنه لا يستطيع أن لا يولد وأن لا يموت وأن لا يبعث وأن لا يجد أمامه كل ما قال وفعل مكتوبا في سجله ، ليحاسب عليه ومن هذه حالته التي لا يستطيع دفعها بأي وسيلة فعليه أن يستسلم لأوامر من يملك عليه هذه القوة .

فمثلا إذا كان المولى عز وجل قد أخر مجازاة أهل الدنيا على أفعالهم السالبة لحقوق الإنسان في نفسه وماله وعرضه بعد أن حذرهم من ذلك وأراد أن ينـتقم منهم في الآخرة في يوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ، في ذلك اليوم عندما يأمر الله الملائكة بإعطاء الظلمة كتبهم بشمالهم فتعطى لهم خارجة من وسط صدورهم وراء ظهورهم ، وعندما يمشي الظلمة منكبـين على وجوههم أمام الناس وعندما يأمر الله ملائكته بقوله (( خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه )) وقوله تعالى (( خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم )) أي إنك أنت الملك أو الرئيس في الدنيا ولكنك كنت مجرما تـنـتهك حقوق الإنسان سواء كانت عزتك في الدنيا بقوة ظاهرة أو قوة تـلصص ساعة تنفيذك لانتهاك حق الإنسان في غياب حمايته منك ، ففي هذه الساعة الأخروية هل تستطيع منظمات حقوق الإنسان أن تقول للمولى عز وجل عندئذ، لا تفعل بهذا الإنسان هذه الأفعال اللا إنسانية حتى ولو كان لصا فهو إنسان، فقبل التـفكر في هذا القول فسوف يسمعون على رؤوس الأشهاد : (( لمن الملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب )) .

فعندئذ سيحاسب اللص ويحاسب الملك أو الرئيس الذي لم ينفذ حدود الله في اللص وسيحاسب كذلك أعضاء لجنة حقوق الإنسان الذين شفعوا في اللص أو رفضوا عقابه .

ففي تلك الساعة كل نفس بما كسبت رهينة سواء كانت مسلمة في الدنيا أو غير مسلمة وبناء على هذه الحقائق التي لا يفهمها إلا المسلمون أصحاب العقل النافع كما قال تعالى(( وتـلك الأمثال نضربها للناس وما يعقـلها إلا العالمون )) فإني سوف أبين الحقوق التي على الإنسان أن يتدخل فيها وتـلك الحقوق المتعلقة بأوامر الله ونظامه للإنسان وحدوده المنصوص عليها في كتاب الله وسنـة رسوله ولا دخل للإنسان في التدخل فيها إلا المتمردين على الله من الإنسانية في الدنيا .

فمن المعلوم أن أهم حقوق الإنسان قضيتان هما : الحرية والمساواة ، فعلى المسلم أن يتحرى ما أمر الله به في هاتين القضيتين مع غيرهما من الحقوق الإنسانية .

وأول ما سنبدأ بتـفصيله هو الحرية فهذا الحق هو لازم لكل إنسان مع أن انتهاكه هو الأعم في جميع سكان أهل الأرض في الجاهلية وأثـناء الإسلام وأطراف البلاد التي دخلها الإسلام .

إذن علينا نحن هنا أن نميز بين عدم الحرية وهو الاسترقاق الذي وجده الإسلام أمامه بأبشع صفة وأذن فيه ساعة الأسر في الجهاد ولكن هذبه على أحسن صفة بعد الجهاد للتخلص في النهاية منه كما وقع ذلك في المائة الأولى من الهجرة .

فمن يتكلم عن الرق في الإسلام فمعنى ذلك أنه يتكلم في زمن المائة الأولى للهجرة وفي مكان الجزيرة العربية والشام وما جاورهما من البلدان فقط بمعنى أنه لا يتكلم عن الرق في القرون الأخيرة ولا عن الرق في البلدان البعيدة عن مكان الرق الشرعي أثناء الجهاد الشرعي في المائة الأولى من الهجرة ، أما غير ذلك من الاسترقاق فهو رق التقاليد والعادات والقهر والغلبة والذي أصله رق الجاهلية المعروف الذي لا حرية فيه لا أثـناءه ولا بعده .

فالإسلام وجد الرق بأسوأ صورة وبأدنى سبب وبأسوأ معاملة فوحد سـبـبه لصالح الإسلام وهو وضع الأسير في جهاد شرعي تحت يد من أسره من المسلمين مع توصيات صارمة في حسن المعاملة والترغيب في عـتـقه ترغيبا يتعلق بالجزاء في الآخرة التي يهتم المسلم بالنجاة فيها.

فهذا الرق من أنكر وجوده في أول الإسلام فهو كافر لثبوته في الكتاب والسنة والإجماع وجميع الأحكام المسجلة فيه تعني الرق آنذاك زمانا ومكانا ، ومن ادعى وجوده شرعيا حتى الآن فهو مكابر لانقطاع أسبابه ونهاية أصله في مكانه وزمانه الشرعيـين فقط ، بل أن وصية النبي صلى الله عليه وسلم على حسن معاملته لم تـترك أثرا للرق التعسفي القهري الجاهلي يقول النبي صلى الله عليه وسلم : من قـتل عبده قـتـلناه ومن جدع عبده جدعـناه وقوله في آخر حديث آخر: أنفقوهم مما تـنـفقون إلى قوله ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون .

فعلينا أن نقارن هذا بما يتلفظ به الآن محاكم العدالة في الدنيا في حق الإنسان (حكم على فلان بالحكم المؤبد مع الأعمال الشاقة ) فأي قـلب أقسى مما يتلفظ به بهذه الكلمة عقوبة للإنسان ليس بالموت فيستريح ولا بسجن منقطع فهو مؤبد مع الأعمال الشاقة ومع ذلك لا تـتـدخل منظمة حقوق الإنسان عندئذ للحد من انتهاك حق هذا الإنسان .

أما المساواة فهناك مساواة يعـممها الشرع بين كل إنسانين ولو كانت بين كافر ومسلم وهي المساواة العامة في كل شيء عام في الدولة .

أما المساواة المتعلقة بالمعاملة العامة فيما بين الأشخاص فكـل إنسان ترك له الإسلام الحرية فيما يراه في معاملة غيره مع الترغيب في اختيار المسلم لمعاملة كل من كان ظاهر التـدين مهما كان : إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه الحديث مع ترك الاختيار الحر هنا .

ومن هنا أعود إلى مناقشة لجنة حقوق الإنسان الإفريقية إلى موريتانيا سواء كان أعضاؤها مسلمين أو غير مسلمين لنضع أمامهم هذه الأسئلة :

السؤال الأول :

أولا نحن أمامنا لص من الإنسان هجم على بيت آخر الليل وكسر الأبواب وأخذ جميع ما كان في المنزل لنفقة العيال وعندما استيقظ عليه رب المنزل وأراد مقاومته ضرب هو صاحب المنزل بسلاح أبيض وقـتله وألقي عليه القبض بعد هذه العملية فما على السلطة أن تعمل في حق هذا اللص المجرم وما هو حق هذه الأسرة التي فقدت معيلها وما كان عندها من الزاد .

السؤال الثاني : لص آخر دخل على المنزل ليلا وأخذ مليونا سرقة من المنزل وهو ما كان عند أهل هذا المنزل وقبض عليه في اليوم الموالي للسرقة ولم يوجد عنده إلا نصف المبلغ وأخفى بقية المبلغ إما بإنكار أخذه مع أن جميع المبلغ كان في وعاء واحد أو أقر به وأصر على إخفائه وعدم إظهار مكانه للسلطات فما هو رأي اللجنة في موضوع هذين السؤالين .

فهناك من الضحايا الذين فقدوا معيلهم وفقدوا معه ما عندهم من النفقة ولاشك أن أي عاقـل سيذكر هنا حق المجتمع الذي وقعت فيه هذه الجرائم التي أصبحت تـتـكرر في جميع المجتمعات التي غابت فيها العقوبات الشرعية للمجرمين اللصوصيين نتيجة تدخل المنظمات الحقوقية التي لا تحترم إلا حقوق السلطات الحاكمة عندما تكون الجريمة سياسية أي محاولة انقلاب أو مظاهرات تـندد بتعسف للسلطة حتى ولو كان هذا التـنـديد بالكلام فقط .

فعندئذ تـقوم السلطة بالحكم بالإعدام إذا تعلق الأمر بما يكيف بالخيانة العظمى التي لا تعني إلا جرائم السياسية فقط إلى آخر العقوبات التي لم يبق منها في الشعوب إلا عقوبات الجرائم السياسية والتي تقف السلطات وراء تـنفيذها حتى بتوجيه القضاء ، أما الجرائم التي تـتـعلق بالأفراد المستـضعفين والمجتمع فقد أصبحت هدرا لنجاة اللصوص من العقوبات لوقوف المنظمات الحقوقية اللا إنسانية دون تطبيق العقوبات التي ترد للضحية حقه من اللصوص اللا إنسانيـين .

ونظرا لحقوق الإنسان عند الله لأن المولى عز وجل هو الخالق للإنسان وواضع حقوق الإنسان وواضع كذلك عقوبة الإنسان الذي لم يحترم حقوق الإنسان والمجتمع فإني سوف أجيب على السؤالين أعلاه عن عقوبة هذين اللصين في الإسلام .

فالأول عقوبته لتلافي ما يمكن من حق الضحية الإنسان هو القـتـل قصاصا وإرجاع ما أخذ إن وجد وإلا فمن ماله يبدأ به في أول الميراث ففي هذا تدارك لما قدر عليه من حق الضحية والمجتمع كما قال تعالى ((ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون )) .

أما الثاني فتقطع يده حدا خوفا من إعادة الجريمة في المجتمع وتعذيبه قبل قطع يده حتى يرد نصف المليون الذي أصر على إخفائه ولا يعرف مكانه إلا هو كما قال صاحب العاصمية المالكي :

وكل من بسرقة قد اتهم ** فمالك بالسجن والضرب حكم

ولكن في كل هذه الحالات لا تزر وازره وزر أخرى فلا والدي هذين اللصين ولا إخوتهما ولا أزواجهما يأخذون أي مؤاخذة بما فعل السفهاء من أسرهم ، وهذا ما لم تتبناه حتى الآن منظمات حقوق الإنسان .

فالدول مازالت تطارد أقارب المجرمين في نظرها وحتى المتعاملين معهم بسبب المهنة فقط فالجميع يطارد وما الكلمة الخبيثة وهي اجتـثاث البعث في العراق والاتهام بالتعاطف مع الإخوان في مصر إلى آخر تلك الاتهامات المعوجة القذرة التي تتعلق بألفاظ من اطغته قوته الدنيوية ولا يريد إلا نصيبه في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق ـ عنا ببعيد ـ فهل أصحاب البعث والإخوان إلا جزء من شعب العراق ومصر ولكنه فعل الله في بعض سكان وسلطات هاذين القطرين كما قال تعالى(( فاعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه )) نتيجة التشيع في العراق والعسكرة في مصر .

هذه هي أحكام الله في جرائم اللصوص الذين لا حق عندهم للإنسان في الحياة كما قال تعالى (( ذالكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم )) .

وكذلك فإن الله قد ربط إيمان المؤمن بعدم التعاطف على من يقام عليه عقوبة الحد المنصوص عليها في القرآن يقول تعالى (( ولا تاخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ))