القدس كما زرتها في عام فائت- كنت مفاوضا للإسرائيليين (1) / عبيد إميجن

أحد, 01/07/2018 - 09:23

يزور القدس سنويا 3 ملايين سائح من بينهم 5% فقط عرب أو مسلمون (أتراك، ماليزيين أو أندنوسيين..) أما الآخرون فهـم غالبا مجموعات يتم استقطابها وتسخيرها من قبل الدولة العبرية لأهداف دعائية وسياسية فالأدلاء السياحيين الإسرائيليين يحرضون على زيارة المزارات الدينية اليهودية بما في ذلك المسجد الأقصـى الذي يقدم لهؤلاء على أنه مسجد أقامه المسلمون على "هيكل سليمان" المزعوم وأن الدليل على ذلك هـو حائط المبكى اسفل المسجد فيسهل توجيه السياح ضد المقدسيين ومنعهم من التواصل مع السكان الأصليين.

 

وفي نفس الوقت تـزدهر داخل أوساط العالم الاسلامي مزيد من الفتاوى المجنونة التي تمنع على العرب والمسلمين زيارة الأقصـى أو المسجد الإبراهيمي أو كنيسة القيامة بالقـدس وبجانبها المسجد العمري أو كنيسة المهد ببيت لحم حيث انتبذت مريم العذراء طبقا للقصة القرآنية فمنذ العام 2012 يحتدم داخل الأوساط الدينية والأيديولوجية جدل لا ينتهي حول ما اذا كانت زيارة القدس والمسجد الأقصى تشكل دعما للفلسطينيين أو تطبيعا مع اليهود؟، هذا فضلا الموانع الاسرائيلية التي اعقبت فشل اتفاق اوسلو والدعايات الغوغائية المرافقـة للصراع

وفي ظل تعرض المقدسات للتهويد المستمر قبل ان يقتلع منها سكانها وتقام على أديمها المستوطنات العنصرية والمعابـد والملاهي وما يرافقها من اضطهاد، وتنكيل وهي الانتهاكات التي ألف الفلسطينيون وقوف اخوتهم العرب والمسلمون الى جانبهم عبر اصدار وريقات تعاد طباعتها في كل مرة لتتضمن "بيانات الإدانـة والشجب"، وهـي كراريس لا تكفي اطعام معزاة خالتي المامية، كما مـلت الشعوب والمنظمات تلك النوازل الفقهية التي تتنازل عن الأرض ولا تدرك جيدا أن "الاستيطان والاستعمار يتقلع الأرض ويحييها ويمتلكها" وأن الأمل الوحيد لتقويض ذلك يكمن في مساندة ومؤازرة ومساعـدة السكان الأصلاء والوقوف إلى جانبهم، وقـد قرر اتحاد الصحفيين العرب اعطاء انطباع بأنه غير معني كثيرا بدائرة الاستقطاب تلك ولا بالموانع التي لا تنتهي ولا تثمر عن أشياء مفيـدة للذين يعانون في ظـل الاحتلال وحيث تتعـرض المقدسات للتهويد فتقرر عقـد إحدى دوراتـه بالقدس وقراءة البيان الختامي من داخل المسجد الأقصى، وهو ما حدث بالفعل؟

تم ايفادي رفقـة الزملاء عبد الله ولمين وكنا نقوم بذلك نيابة عن رابطة الصحفيين الموريتانيين (النقابة)، وبهذا دخلت الأراضي الفلسطينية انطلاقا من الأردن التي انعقدت بها بداية الدورة بحضور مناديب الدول العربيـة الأعضاء قبل أن يحمل الجميع حقائبه تجاه رام الله حيث في الواقع انعقـد المؤتمر والذي يمكـن القول إنه كان اقرب الى ورشات لعرض المزايدات والخطابات فأحيانا يتبادل الزملاء على الميكرفون للتأكيـد على مشـاعـر التضامن والأخـوة ومما بقي في الذاكرة أن أحد الزملاء خلال مداخلته الحماسية طالب المناديب بإظهار دعمهم للشعب الفلسطيني عبر التبرع بالدم فما كان من القاعـة الا أن ضجت بالتصفيق دعما للفكـرة، وعندها أمر كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بإحضار عيادة متنقلة لاستلام الدماء، إن الطريف في هذه الفكــرة هـو أن زميلنا عاد ليعرض علي القاعـة فورا لنتسكع خارج الفندق فليس "عندي من الدم ما أسخى به"! ومع ذلك فقـد تبرع الزملاء بدمائهم بكل صدق واخلاص.        

كانت أول مدينة نزورها هي بيت لحـم حيث وقفنا على كنيسة المهـد وكانت في طور الترميم ومع ذلك فتحت أبوابها أمامنا، ومن مميزات البناء أنه يحوي فتحة ضيقـة تؤدي الى مغارة الميلاد حيث توجد النجمة الفضية الموجودة في المذود المزّيَن بالمرمر والمكتوب عليها باللاتينية :" Hic de Virgine Maria Jesus Christus natus est والذي معناه : هنا ولد المسيح يسوع من العذراء مريم."، وكــم كنت أحس بالسعادة والغبطة لـدى زملاءنا الأقباط والمسيحيون وهـم يقفـون على البقـعة التي ولد بها المسيح، أما ماجدة من الأردن فكانت الأكثر حماسـة حيـن تستعرض كهف الميلاد فهنا توجد مغارة الميلاد التي يعتقد أن السيد المسيح عيسى بن مريم قد ولد بها وعلى بعد أمتار قليلـة منها يوجد مخدع مشذب ومزركش.. إنه المهـد المباركـ.

وبالرغـم من أن زملاءنا المسيحيون –جميعهم- لم يفتوا الفرصـة للبدء بطقوسهم داخـل المكان المباركـ متحسسين الحائط وهـم في حالة ذهول، فإنني لا أنكـر أنـه بدوري لم أتمـالك نفسـي حيث دلفت بـدوري الى مخدع المهـد دون غيري من المسلمين الذين وقفوا يتفرجـون وكيف لا أفعلها وأنا أتواجد في بقعة تعتقد خمسة عشرة طائفة مسيحية جازمـة انها الكهف الذي ولـد فيه عيسى بن مريم رضي الله عنه وفيه يقول تعالى  (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ )).

في نفس اليوم وهو الذي يـوافق الـ12 يونيه من العام 2014 كان قـد اختفى ثلاثة مستوطنين من بلدة حلحول وهـي العمليـة التي عرفت فلسطينيا بعمليـة الخليل، وكان علينا أن نبدء يومنا نزور المسجد الإبراهيمي وكنت اضع العلم الفلسطيني على رقبتي بعدما تسلمته من محافظ المدينة، وبعد اجتيازنا للحواجز الالكترونية ومرورنا بأسـواق عتيقة باتت حوانيتها بمثابة الشاهد على هجرانها فمدينة الخليل تتعرض منذ الصباح للحصار من قبل الجيش الاسرائيلي والذي يتهم الأهالي اخفاء الشبان المخطوفين، طلب منا نزع العلـم مقابل السماح لنا بولوج المكان وأداء صلاة العصـر فرفضنا جميعا ولم تكن هنالك فرصة للمساوة.. كان علينا العودة الى رام الله سريعا بعدما سرت اشاعـة تفيد بأن المعابـر يجـري التمهيد لإغلاقها بشكل كلـي مما سيجعل المدن الفلسطينية معزولة عن بعضها البعض ويجعلنا كأجانب محتجزين في الخليل.

في النهاية عادت الوفـود، وفي الفندق ابلغنا أن السلطات الفلسطينية ستمكننا فجر الغـد من أداء صـلاة الفجـر بالمسجــد الأقصـى مما يعني أننا سنتمكن من زيارة القـدس ومعالمها، وكــم بدت وجـوه الزملاء في تلك الأمسية باشة ومسرورة لم لا وسنتمكن من قراءة البيان الختامي للدورة داخل باحـة المسجد الأقصى.!؟