الحقيقة تنشر مقابلة جديدة مع بيرام ولد الداه ولد اعبيد

خميس, 12/14/2017 - 15:48

الحقيقة- انواكشوط - أجرت صحيفة "Algérie Patriotique"آلجري باتريوتيك" ("الجزائر الوطنية" الناطقة بالفرنسية) مقابلة مع بيرام ولد الداه ولد اعبيد رئيس حركة إيرا اعتبر من خلالها أن موريتانيا تحتوي على أكبر ممارسة للرق في العالم حسب تعبيره.

 

جاء الإعلان عن المقابلة في إيجاز صحفي وزعته الحركة تضمن أنه إزاء الممارسات الاسترقاقية التي اكتشفها العالم مذهولا في ليبيا، تعجب رئيس مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية في موريتانيا (إيرا) من أن المجتمع الدولي "تأثر من حداثتها المزعومة" متسائلا عن كون "مثل هذه المأساة يأخذ جذوره في عادات الغارات والتفوق العرقي المهيكلة لعالم المفاهيم العربية-الاسلامية" كما يقول.

 

وفيما يلي نص ترجمة للمقابلة كما بعثت به الحركة:

 

آلجري باتريوتيك: ثمة تقرير صحفي لقناة "سي أن أن" الأمريكية، حول المتاجرة بالمهاجرين في ليبيا، أثر على العالم وبرهن أن ظاهرة الرق ما تزال أيامها مشرقة. بوصفكم تمثلون منظمة تدعو إلى إلغاء الرق، كيف كانت ردة فعلكم؟

 

بيرام ولد الداه ولد اعبيد: مكلوم، أشعر بالمرارة والخيبة إزاء ردة الفعل الرسمية للمجتمع الدولي. الحكومات الإفريقية وحكومات العالم العربي والاسلامي، وأيضا القوى الغربية، لعبت كلها دورها في المسرحية الكوميدية. في الحقيقة لم يتم القيام بأي شيء أكثر من سيمفونية السخط الكاذبة التي يتمثل غرضها في امتصاص غضب اللحظة.

القادة وصناع الرأي في العالم العربي والاسلامي، الذي تنتمي إليه ليبيا، يعرفون أن الإنسان الأسود، في كامل محيطهم الاجتماعي والثقافي والجغرافي، يُنظر إليه ويعامل -كلما سمحت الظروف- كعبد. وعلاوة على ذلك، فليس من قبيل الصدفة أن عبارات مثل أسود وخادم ووصيف وعبد وسوداني تمثل مرادفات في أغلبية اللهجات العربية.

موريتانيا، وبلدان إفريقيا الشمالية، وبلدان الشرق الأوسط، وآسيا الصغرى تعرف، بدرجات تتناسب مع الشتات ذي الأصل الإفريقي، ممارسات عنصرية ومتاجرة بالبشر متفاقمة شيئا ما. لكن الإنكار يكون صادما أكثر عندما تعيد إنتاجه الشعوب التي كانت تمثل الضحية..

حكومات إفريقيا جنوب الصحراء، كذلك النخبة الرائدة في الكفاح ضد الأحكام العرقية المسبقة، والاستعمار ولابارتايد ضحوا بمصير الشتات الأسود في العالم العربي-الاسلامي. لقد تبنت هذه الجهات موقف الصمت حيال المتاجرة العابرة للصحراء والمتاجرة المشرقية بالبشر، وذلك باسم تضامن ثلاثي – ما بين العالم الثالث وأطراف طائفية دينية وقارية- ضد الرجل الأبيض. بيد أن تجارة البشر هذه أنهكت إفريقيا تماما مثلما أنهكتها مثيلتها الثلاثية والأطلسية.

هذا التنكر الساخر أصبح اليوم مدمرا لذاكرة الشعوب. القليلون من الشباب الأفارقة يعرفون هذا الجانب من تاريخهم الذي اكتشفوه اليوم في ليبيا ويتأثرون لحداثته المزعومة. فمثل هذه المأساة يأخذ جذوره في عادات الغارات والتفوق العرقي المهيكلة لعالم المفاهيم العربية-الاسلامية إلى حدود بلاد فارس والهند. ففضلا عن منطقتي الساحل والمغرب الكبير، تجدون الآثار التي ما تزال واضحة للعيان في الزنجبار وعلى طول الشواطئ السواحلية حيث ترسو القوارب المتوجهة إلى "العربية السعيدة" لتأخذ حمولتها من الخصيان والمحظيات والحاضنات.

 

ألجري باتريوتيك: المتاجرة بالبشر ظلت قائمة على مر العصور حتى ولو تظاهر العالم باكتشافها من خلال الصور التي كشفت عن بيع مواطنين من جنوب الصحراء في مزاد علني بليبيا. فهل أن الرق أكثر شرعية في موريتانيا ووسط إفريقيا والسودان منه في ليبيا؟

 

بيرام ولد الداه ولد اعبيد: كما أشرتم، يبدو وكأن الرق والمتاجرة بالسود لا أهمية لهما في موريتانيا وشمال مالي والنيجر واتشاد والسودان والشرق الأوسط، بينما يتمنطقان بلبوس الجرم على شواطئ ليبيا.

 

بالنسبة لمنحدر من أسرة عبيد مثلي، ومواطن من بلد يولد فيه رجال ونساء (لحد الساعة بالنسبة للبعض) مملوكين ملكية خاصة من قبل مواطنين أمثالهم (من نفس الوطن)، فالتمييز بين الاثنين مثير للضحك. إن 20% من مواطنينا يعيشون دائما مختلف إكراهات الدونية بالمولد. والعديد من أمثالي يعملون رغما عنهم، دون راتب لائق، ولا يرتادون المدارس، ويتعرضون للاغتصاب دون أي رادع، وعليهم أن يتلاءموا مع وصمة العار والازدراء والإقصاء المادي.

الشريعة في بلادي، موريتانيا، مقنّعة بكتب جانية تجعل من العنصرية البدائية عبادة. إن قانونا استرقاقيا يظل ساريا منذ عدة قرون ويبقى أهم كراس لتكوين القضاة وضباط الشرطة القضائية والأئمة والفقهاء.

وترفض الحكومة تحريم هذه الكتب على اعتبار أنها من ضمن الفقه السني المالكي. بيد أنه لنا أن نتساءل: ما قيمة مصدر قانوني إذا كان يكرس الدونية السلالية؟ هذه الهوية العربية-الاسلامية، التي انبنت منذ أمد بعيد على معاناتنا وأعلنت متأخرة عن إثمها، لم نعد نريد مُقاساتها. إننا أفارقة، أبناء تبعيتنا وطموحنا للمساواة. هذا يكفينا. لن يكذب علينا أي أحد يتخفى وراء حجاب من ورق.

ألجري باتريوتيك: كثيرا ما نسمع عن العبودية العصرية. كيف تعرّفونها؟

 

بيرام ولد الداه ولد اعبيد: العبودية العصرية تختلف عن العبودية التقليدية. فهذه الأخيرة ما تزال قائمة فقط في المجتمعات التي ما تزال تحكمها أعراف خرافية قسرية عفت أزمنتها. وعلى كل خط الاحتكاك بين العرب-البربر والسود، على طول فضاء الساحل والصحراء، تنخر هذه الظاهرة النظام الاجتماعي وتؤثر تداعياتها على الارتباطات الزوجية مشجعة الزواج داخل الكانتونات المغلقة.

ليس أيضا من قبيل الطرفة، في التاريخ المعاصر، أن يحوّل سودٌ سودًا آخرين إلى وضعية المسترقين بمجرد القوة الغاشمة. في هذه الحالة يظل التبرير السلالي أقل أهمية.

العبيد الموروثون يمثلون ممتلكات عينية تماما كالماشية كما تفسره لنا مواثيق القضاة الشهيرة. إنهم يعارون ويستأجرون ويباعون ويمنحون. إنهم يعيشون ويموتون مجبرين على الأعمال اليدوية القاسية وعلى رعاية القطعان وعلى جلب الماء دون أن ننسى الأعمال المنزلية وسَوْق القوافل،  بالنسبة للرُّحل، من مكان التخييم إلى مكان آخر. ويمكن للسيد أن يتمتع جنسيا بعبدته دون مرضاتها ويحتفظ بحق الاعتراف بالمولود أو الإبقاء عليه عبدا. أما العقاب بالتشويه أو حتى الإخصاء فكان يحدث رغم أنه مشين بالنسبة للمالك في بعض طبقات المجتمع.

 

ألجري باتريوتيك: العبودية العصرية تعني مختلف أشكال استغلال الكائن البشري. ما هي أنواعها؟ وما هي الدول التي تمارس فيها؟ ومن هم أهم ضحاياها؟

 

بيرام ولد الداه ولد اعبيد: بالنسبة للعبودية العصرية فهي مرتبطة بالظروف الاستثنائية المتمخضة عن الحروب، والاضطهاد واسع النطاق، والمجاعات، وكذلك الكوارث الطبيعية التي تفرض الناس على التنقل بحثا عن الأمن الجسدي والغذائي. محاولات الوصول إلى مناطق آمنة غالبا ما تتولد عنها محن لا تطاق. فهنا يسلك الضحايا، تحت ضغط الحاجة، دروبا غير شرعية تعرضهم لخطر الاستسلام للمهربين. وتتجسد المحصلة النهائية في جعل المهاجرين يكدُّون دون ضمانات ودون تعويضات، كما تتجسد في إرغامهم على الدعارة وتشغيل أطفالهم واستئصال أعضائهم.

 

ألجري باتريوتيك: أين توجد أكبر نسبة لممارسة العبودية في العالم؟

 

بيرام ولد الداه ولد اعبيد: أكبر نسبة لممارسة الرق في العالم، حسب مقياس السكان، توجد في الجمهورية الاسلامية الموريتانية: بلد صحراوي واقع بين المغرب والسينغال. المنظمات المناهضة للرق التي تتبنى خيار السلم ممنوعة من القيام بنشاطاتها، كما يتم اضطهاد أعضائها، ويسجنون ويعذبون وتصدر بحقهم أحكام قاسية جدا.

وبالرغم من اللوحة القاتمة التي تؤكدها تقارير وشهادات الروابط الدولية المستقلة والهيئات الأممية المتخصصة والبعثات الدبلوماسية للعالم الحر، فإن النظام في موريتانيا يستفيد من الدعم الاقتصادي للاتحاد الأوربي، والدعم العسكري للولايات المتحدة الأمريكية، والدعم الدبلوماسي للاتحاد الإفريقي.

 

ألجري باتريوتيك: أنتم أول من سلط الضوء على العبودية في بلادكم بإنشائكم لمنظمة "إيرا" سنة 2008. في سنة 2012 أحرقتم في العلن نصوصا فقهية إسلامية قديمة تبرر هذه الظاهرة. ماذا تغير منذ ذلك التاريخ؟

 

بيرام ولد الداه ولد اعبيد: لست أول من أطلق الكفاح لتحرير ذويه، فهذا الكفاح انطلق في السبعينات عندما كنت طفلا. أنا ورفاقي نعتبر أنفسنا جزءا من ذلك السلف وخلفا له، كما سيخلفنا نحن آخرون.

منذ 27 ابريل 2012، في اليوم الذي مزقت فيه إراديا وعلنيا ورمزيا نسخا سحيقة من تأويلات الخليل بن إسحاق والدسوقي وابن عاشر، انطلق الحراطين (وهم بالمناسبة نصف سكان موريتانيا، كانوا في ما مضى مقيدين بسلاسل إيديولوجية ودينية) في عصيان اجتماعي ضد مواليهم والمهيمنين عليهم منذ الأزل.

العمل المخلّص، المتمثل في إحراق كراسي العبودية، خلق نقطة تحول عند المهيمن عليهم وأدى إلى إعادة النظر في وضعهم داخل المجتمع. لقد تحول خنوعهم لإيذاء جلاديهم إلى غضب عارم، بل أقول بأنه تحول إلى توتر غير قابل للمواربة.

هؤلاء البشر، الذين يجمعني وإياهم الدم، والذين كانوا قبل فترة وجيزة معرضين لأنواع من الاستغلال جعلتهم منقادين لمصيرهم كمنبوذين، لم يعودوا يرون أنفسهم  ضحايا حساب ذي علاقة بإرادة أو وصايا إلهية؛ لا، لقد هشموا أغلال الدجل ليأخذوا مكانهم، في النهاية، داخل صفوف حركة الحقوق المدنية.

 

ألجري باتريوتيك: كل المعاهدات التي وقعها المجتمع الدولي لوضع حد لهذه الظاهرة ظلت حبرا على ورق. هل ما تزال العبودية واقعا معيشا لم يتغير إلا في شكله؟

 

بيرام ولد الداه ولد اعبيد: في غالبة بلدان العالم تم الانتصار بشكل كبير على العبودية بفعل الكفاح، وفي بلدان أخرى لم يُقض عليها تماما لكنها في طريقها إلى ذلك. غير أنه ثمة صنف ثالث كما هو شأن موريتانيا وبعض دول الساحل حيث تتوغل العبودية في نمط الحياة خاصة في الطبقة الحاكمة. لكنْ مهملا، فعجلة الأيام تدور!

أجرى المقابلة محمد الغازي

المصدر: ألجري باتريوتيك