الأديب مثقف بطبعه / الناجي محمد حرمه

أحد, 10/22/2017 - 11:38

إن الشعر العربي في عمومه قائم على الانزياح والعدول، فهما ركنان من أهم أركانه ولا تتأتى أدبيته أساسا إلا بهما ولكن هذا الانزياح ذو مراتب مختلفة، فمنه الشديد الذي نحتاج ـ لكي نفهمه ـ إلى اللجوء إلى الهرمنيوطيقا (تأويل النصوص) ومنه ما دون ذلك، وفي هذا الإطار نسعى إلى نوع من التفريق بين الأدب العربي القديم وبين ما بات معروفا بالأدب الحديث وبالأخص الشعر الحديث أو شعر التفعيلة،

فالدارس للشعر العربي القديم يجده ممتلئا بالأدبية والجمال، غير أن مستوى الانزياح فيه لا يخرج بالدرجة الأولى عن البلاغة (استعارة وكناية وتشبيها...) بمعنى أن المتلقيَ يستمتع ويستأنس بمواطن الجمال ومكامن الجودة فيه، على أن مرد هذا الجمال غالبا ما يكون إلى البلاغة فقط، ولا يطلب من  المتلقي للانسجام مع هذا الأدب إلا الاطلاع على اللغة العربية (نحوا وصرفا وبلاغة وتاريخا...)بينما يجنح أصحاب الأدب الحديث ـ إضافة إلى الاعتناء بما تقدم ـ إلى أنماط أخرى من الانزياح والعدول عبر توظيف الرموز المنتمية للثقافات والحضارات الأخرى، وحتى المغالاة في تضمين الحكايات الميثولوجية وربما أحيانا إلى إدماج القصص الفلكلورية ذات البعد الثقافي الضيق، مما يحتم على القارئ أن يكون ذا ثقافة عالية ومتنوعة حتى يتمكن من معرفة ما يرمي إليه المنتج (إذا لم نضع في الاعتبار موت الكاتب الرولانبرتية البنيوية).

إنك إذ تريد فهم الشعر العربي القديم عليك فقط أن تكون ملما بالثقافة العربية الإسلامية.

ما أشعر كثير عزة حيث يقول:

رهبـان مـكة والذين عهدتـهـم==يبكون من حذَر العذاب قعودا

لو يسمعون كما سمعت حديثها== خروا لعزة ركعا وســجـودا

فأنت ترى حسن هذين البيتين وجودتها وتدرك مدى جمالهما دون الحاجة إلى كبير إلمام بأي ثقافة أو معطيات أجنبية .

وإنه لمن الجمال أيضا بمكان قول نزار قباني:

كامرأة من الرخام عارية..

تعيش ـ لا زالت ـ على قصة حب ماضية..(جملة مقتطعة من السياق)

غير أننا لا بد أن نلجأ إلى التأويل لكي نعيَ ما يقصده الشاعر في هذا وأمثاله.

إن على الأديب مهما كانت طبيعة أدبه أن يكون فيلسوفا ومؤرخا واجتماعيا..حتى يستطيع التعاطيَ مع المعطيات الأدبية؛ ذلك أن كل نص أدبي عبارة عن وثيقة يتحتم على المشتغل بالأدب استنطاقها والكشف عن دلالاتها ومختلِف أبعادها. وهنا أستعير من ابن خلدون قولته المشهورة "إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه" فأقول إن الأديب إنسان مثقف بطبعه، أو هكذا  ينبعي أن يكون.