موريتانيا: أكبر مصنع لتركيب الطائرات في غرب افريقيا

اثنين, 02/13/2017 - 08:00

في اطار التفاعل مع تدوينة وزير الإقتصاد والمالية الأخيرة كتب الدكتور عبد الله ولد بيان تدوينة قدم فيها معلومات في غاية الأهمية وهذا نص التدوينة التي كتلها ولد بيان ردا على وزير الإقتصاد والمالية:
"إنها مشاريع وهمية لولا أن تفندون

حضرتُ في واشنطن صحبة وزير المالية الحالي السيد المختار اجّاي (مدير الضرائب يومها) دعوة "عشاء عمل" للحكومة الموريتانية، على هامش اجتماعات البنك الدولي في إبريل 2014، حضرها وزير المالية السعودي وممثل البنك الدولي في موريتانيا وعدد من المستثمرين والفاعلين الماليّين. وقد نُظّم الحدث من قبل فريق حكومي كبير ضم وزيري الإقتصاد والمالية ومحافظ البنك المركزي ومدير الضرائب الموريتانيين، في إطار الاحتفاء بتقرير لافيناشل تايمز Financial Times عن ما اعتبرته تطوراً لمناخ الاستثمار والتحولات الاقتصادية الواعدة في موريتانيا. وهو التقرير الذي تبيّن بعد ذلك، من عدة مصادر صحفية، أن الجريدة البريطانية تمت "رشوتها" بمليون دولار لإنجازه بذلك الشكل.

توالى المتدخلون المحليّون والدوليّون، ولا أخفيكم سرّاً كم استبشرت بالتحولات التنموية والاقتصادية المتوقعة، التي تحدثوا عنها ب "لغة الأرقام"، وما سيكون لها من أثر على تحسين حياة المواطن في بلادنا. يبدو أنني لم أشبع يومها من الأوهام المشابهة التي طالما حدثتنا بها الأنظمة المتعاقبة: مثل استثمارات الصيد العظمى، واكتشافات المعادن، وأحلام النفط والغاز.

ولقد كانت صدمتي -على الأقل- عظيمة عندما قدمت الحكومة الموريتانية من وصف نفسه بأنه مستثمر أمريكي ومستشار سابق للرئيس بوش الأب، هو السيد تيم گيبسون Tim Gibson، وقال إنه زار موريتانيا والتقى بالسيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز عدة مرات، وتحدث عن تحسن مناخ الأعمال فيها، وأعلن عن مشروع له بالتعاون مع الحكومة الموريتانية عبارة عن بناء مصنع لتركيب الطائرات، وأنه "سيكون هو الأكبر في غرب إفريقيا"! لحظتها، وقبل انتهاء مداخلته، لم يستطع أحد الأمريكيين "الثائرين" القادم لتوّه من النيجر أن يتحمل هذا الكم الكبير من الوعود على مايبدو، ووجّه عبارات "عنصرية" إلى السيد گيبسون يقول فيها إنه من الواضح أن "البيض" (وكان الرجل إفريقيا-أسود) لم يملّوا من نهب ثروات المنطقة واستعمارها، وأنهم مستمرّون الآن في ذلك بمشاريعهم الوهمية هذه... طبعاً توقفت المداخلات بعد ذلك، فضيق القاعة وجهورية صوت العسكري السابق وحساسية الموضوع الذي يتحدث فيه جعل الانصراف إلى الأحاديث الثنائية هو الطريق الوحيد لاستمرار فعاليات الدعوة، ولو لوقت قصير.
ومع أنني استأت من "إفساد" الحفل يومها بتلك الطريقة؛ فمهما كانت معارضتي للنظام الحاكم في موريتانيا، إلا أن حدثاً بهذا المستوى من الأهمية والحساسية لا أحب له الفشل بهذا الشكل (على عكس ما صوّره السيد ولد اجاي في حديثه عن المعارضة)، فإخواننا العرب يقولون: "أنا وأخوي على ابن عمّي، وأنا وابن عمّي على الغريب". ولكن الآن، وبعد مرور حوالي ثلاث سنوات، تبيّن لنا أن لا أثر لذلك المصنع (القطب الاقتصادي)، وأن ذلك الشاب كان محقّا حينما نبهنا حينها إلى أن هذه مجرد مشاريع وهمية.

ومع ذلك، نحن في بلد له موارد بحرية ومعدنية كبيرة، ويُثقل كاهل ساكنته بالضرائب، وتأتيه مساعدات عربية ودولية مهمة، ولا بد فيه من بعض "الإنجازات" التي تشرّع البقاء وتبرّر طرق الصّرف، الصحيحة والسقيمة. فلا أقول إن جميع المشاريع التي أعلن عنها السيد وزير المالية لن ترى النور بشكل كامل كما حدث مع مصنع الطيران، وإن كنت متأكداً من أن بعضها سيكون كذلك، إلا أن ما سينجز منها سيكتنفه الكثير من عدم الشفافية في التنفيذ، ومحاباة أصحاب النفوذ، والاحتيال على أموال الشعب وحقوق العمّال الضعفاء وصغار المقاولين، ما يجعله بعيداً كل البعد من الصورة الوردية التي يتم من خلالها الإعلان عنه.
فبالنسبة للمستبشرين (كما كنتُ ذات يوم) ب "بوادر التحول الاقتصادي العميق" الذي أعلن عنه السيد وزير المالية أقول: سيأتي ذلك اليوم الذي تدركون فيه أن هذه المشاريع إما أنها كانت ورقية لا أثر لها على الأرض، أو أنها نفّذت بطريقة فاسدة، جعلتها تخرج مجتزأة وبمواصفات سيئة، لم يطرأ معها على حياة المواطن العادي إلا البؤس والفقر وصعوبة العيش.
لقد علمتنا الحياة أنها في جوهرها الغالب مشاريع وهمية، لولا أن تفندون.