مقترحات مستعجلة إلى رئيس الجمهورية (*)

جمعة, 08/16/2019 - 17:11

شكلت انتخابات الثانى والعشرين من يونيو 2019 انعطافة حاسمة فى تاريخ الدولة الموريتانية، وبارقة أمل للآلاف من أبناء الشعب، بحكم التحول الحاصل فى هرم السلطة، وانتهاء الجدل الذى صاحب مأموريات الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز دون حرب أهلية، أطلت ملامحها أكثر من مرة، أو انجرار أجهزة الدولة الأمنية إلى حرب مفتوحة مع القوى السياسية، قد تضعف من حظوظ الانتقال الديمقراطى، وتعزز من سلطة الحاكم الفرد.

وقد ساهمت قوى عديدة داخل السلطة وخارجها فى صناعة التحول الذى عاشته موريتانيا خلال الفترة الأخيرة، مع قبول تميز به الرئيس محمد ولد الغزوانى من مجمل أصدقاء سلفه خلال العشرية الأخيرة، بحكم موقعه كقائد للجيش، واعتزاله المناكفات السياسية الداخلية، والظهور بمظهر القائد الواثق من نفسه ودوره.

ولعل أهم مكسب تحصل عليه الشعب خلال الانتخابات الأخيرة، هو انعدام القلق من فوز أي مرشح مهما كانت خلفيته، والتعامل مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى من قبل دوائر عديدة فى السلطة وخارجها باعتباره شخصية توافقية قادرة على استعاب الجميع، وضابط عسكرى سابق قادر على إدارة البلد وإشعار الجميع بالطمأنينة وهيبة الدولة دون تجاوز مخل أو ضعف مفسد.

غير أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى وقد حسم ملف الشرعية السياسية الداخلية والخارجية ،يحتاج إلى الانتقال من دور المرشح المطمئن إلى الرئيس الحاكم بالفعل، دون تنكر لأصدقاء الأمس، أو ضعف محبط للآلاف من أبناء شعبه، ممن صوتوا له، وهم ينشدون فيه قوة الشخصية والصرامة فى العمل، والفاعلية، بدل التقوقع على نفسه ومحيطه، أو انتظار حلحلة الأمور من خلال تسييرها بالزمن، أو الاستنجاد بطاقمه من أجل وضع الحلول للمشاكل التى تعترض سبيله، فالقائد هو من يوجه ويخطط ويبادر، ولمستشاريه حق النصح والتحفظ والتوضيح، بينما تحال القرارات إلى المعاونين من أجل التنفيذ.

إن رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى – وهو صاحب خبرة وتجربة- بحاجة إلى خطوات سريعة وحاسمة، من أجل فرض نفسه كرئيس منتخب، وإشعار الناس بقيمة التداول الذى حصل فى هرم السلطة، وحلحلة بعض المظالم العالقة دون خجل أو وجل، والتواصل مع من انتخبوه بسرعة، فالناس تكره من يقترب منها وقت الحاجة والضعف، ويتوارى عن الأنظار بعد السيطرة والتحكم.

وبالمختصر ، يحتاج رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى إلى قرارات سريعة من قبيل :

تعيين مستشاريه من أخل الخبرة والسياسية، فأصحاب التخصص، مهمتهم التنفيذ، والاستشارة تطلب من أهل الرشد والتجربة والاستقامة وبعض دوائر الثقة.

2- تغيير الطواقم المحيطة بوزيره الأول، تدويرا للسلطة بين داعميه وبعض أهل الخبرة من خارج "الحظيرة"، وإقناعا للناس بوجود تغيير قد حصل وجدية ماحصل بالفعل. والدفع بأوجه جديدة من أبناء البلد، لمشاركته فى العملية السياسية والتنموية، وإعادة التوازن للسلطة التنفيذية، بعد فترة من التسيير بعقلية الأزمة والتعامل مع المحيطين بالرئيس فى العمل بمنطق الثقة لا الخبرة والتجربة والفاعلية.

3- إجراء تغيير شامل وسريع فى الإدارة العمومية، فالولاة هم عيون الرئيس فى الداخل، وواجهته لدى الشعب، وبهم يقاس عدل الحاكم من جوره، ونزاهة الحكم من سوءه، ومن المثير للسخرية أن يتغير الحاكم الممسك بكل زمام الأمور، ويستقر الوالى أو الحاكم أو الأمين العام فى منصبه، وكأنه منتخب بمأمورية مفتوحة، رغم ضعف الأداء فى الغالب والتعايش مع قوى الفساد والتخريب.

4- إعادة هيكلة قطاع الإعلام العمومى، والاختيار من بين داعميه لتسيير المرحلة المقبلة، ففيهم من أهل الخبرة والتجربة والكفاءة والحماس، من يمكنه من أن يوطد أركان حكمه، وأن يغير من واقع البلد المتردى، وللمستشار الإعلامي دوره فى صناعة العملية التفاعلية، ومواكبة الرئيس فى تنفيذ مشروعه.

5- وقف هزلية التعرف على المعاونين، وتضييع الوزراء الوقت بزيارة المكاتب، والتقاط الصور داخل المراكز التابعة لكل قطاع، فالوزير بحاجة إلى تسيير المراكز والقوى البشرية التابعة له، بمنطق المدير الحيوى لما يجرى فى قطاعه، بدل أن يتحول إلى عامل نظافة، يدخل كل مكتب، ويطمئن على ترتيب الأوراق ووضعية المكاتب ونظافة الأزقة، ويعود إلى المنزل للاطمئنان على شكل الصورة التى ظهر بها خلال الزيارة، دون إجراء يمكث فى الأرض أو يعلى من شأن الحاكم الذى أختاره.

إن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى أمامه تحديات كبيرة، وفرص أكبر، فهل يتحرك من أجل انجاز لما تعهد به للشعب، أم سيسلم نفسه وحكمه خلال الأشهر الأولى، لشبكات ألفت التعامل مع كل وافد جديد، ولديها القدرة على الالتفاف والتحكم فى أي مشروع جدى، لتحرم من البلد من فرص الإقلاع وإمكانية فرض التغيير؟.

سيد أحمد ولد باب